كتابٌ يُخرجُك من السجن

ت + ت - الحجم الطبيعي

أعلنت البرازيل ذات يوم، عن اعتزامها تطبيق فكرة جديدة لتخفيض عدد أيام عقوبة السجن لكل سجين ينهي مطالعة كتاب.

يحظى من يقرأ كتاباً كاملاً ويكتب عنه مقالاً سليماً تعتمده لجنة، بمكرمة تخفيض فترة سجنه لمدة أربعة أيام، بما لا يتجاوز 48 يوماً في العام الواحد، وذلك للسجون المكتظة، وهو شبيه بما تفعله بعض البلدان العربية بالإفراج أو تخفيف عقوبة من ختم حفظ القرآن الكريم.

قد لفتني هذا المشروع البرازيلي الجميل، الذي يترجم على أرض الواقع فكرة تغيير بلدان عدة لأسماء «السجون» إلى «المؤسسات الإصلاحية»، وما مشروع البرازيل إلا نوع من هذه المشاريع التي تسعى إلى تنوير عقول المساجين وتوسيع مداركهم بالقراءة.

وقد ذكرني هذا المشروع، بمقولة الفيلسوف الفرنسي: «يقود الأمم هؤلاء الذين يقرؤون ويكتبون».

ثم مقولة مايك تايسون «كل ثورة في البشرية كان خلفها شخص قرأ كتاباً».

والمقصود بثورة هنا، المعنى التنموي بإحداث تغيير كبير في حياة الناس. وقبل هذا وذاك، قوله عز من قائل في أول كلمة نزلت من القرآن الكريم على نبي أمي «اقرأ»، وكفى بها إشارة لأهمية هذا الفعل البسيط في تغيير مجرى حياة الإنسان.

المتابع لحياة المميزين حول العالم، لا سيما ألمع القياديين الذين تشرئب لهم الأعناق حينما يتحدثون، تجد أن القاسم المشترك بينهم، هو شغفهم بالكتاب الذي يزودهم بمعين لا ينضب من الأفكار والكلمات، والتسلسل المنطقي في الرد.

لذا، قلما تجد قارئاً نهماً يضيق ذرعاً برأي المخالفين له في الرأي، ذلك أن لديه من المخزون الفكري ما يمكنه في أي لحظة من الرد على محاوريه، وإفحام من يناظرونه الرأي.

لم تأسر هذه القراءة ألباب الأولين والآخرين، إلا لما فيها من سحر يجعل الكتاب خير أنيس وجليس، فهو الذي جعل الجاحظ يهيم بحبه، فصار لا يفارق دكاكين الكتب حتى يقرأ ما تيسر له بتصفحه عقول العظماء والمفكرين حول العالم.

وهو الذي قيل عنه إن موته كان بسبب كومة من الكتب وقعت على رأسه فلقي حتفه.

ونقرأ ونشاهد على مدار العام كبار المسؤولين الغربيين المؤثرين، وهم يحملون كتبهم في أماكن عامة وعطلات الصيف والسفر، مثل الرئيس السابق أوباما، الذي نقل شغفه بالقراءة إلى الأطفال، إذ إنه أول رئيس أميركي يؤلف كتاباً للطفل في أثناء مدة حكمه، وأطلق عليه اسم «عنك أغني: رسائل إلى بناتي»، وقرأه أمام أطفال في مدرسة ليوصل رسالة إلى العالم أجمع، بأن القراءة هي خيار لا مفر منه للتعليم المستمر وتطوير الذات.

لحسن الحظ، لا يخرج الكتاب المساجين من سجون البرازيل فحسب، بل إن حب الكتاب والقراءة المنهجية الواسعة، تسهم في إخراج الفرد من سجن تفكيره الضيق إلى فضاءات أرحب، ليرى قضايا العالم من حوله من زوايا جديدة.

 

Email