أستراليا والعالم

ت + ت - الحجم الطبيعي

أستراليا، القارة التي تبدو مهملة عربياً وخليجياً، تلعب دوراً مهماً في عدة مناطق من العالم. ويعترف الأستراليون دون غيرهم ببعد المسافة بينهم وبين العالم. وإذا ما قيض لك زيارتها فإنك تشعر أنها انسلخت خلسة عن العالم وأبحرت بعيداً ورست في ركن هادئ.

ولكن بعيدا عن الخيال الأوروبي المتمركز حول ذاته، فإن لأستراليا تاريخ طويل من الحضارة البشرية التي انتجت ثقافة وفنونا وأساطير للسكان الأصليين ويعرفون بـ «الأبورجينيز»، الذين يشكلون 2.4 في المئة من مجموع السكان البالغ 24 مليون نسمة. ولقد تعرض كثير منه للإبادة ولهذا السبب فإن عددهم قليل جدا بالنسبة للمستوطنين.

ولكن مسألة البعد الجغرافي غير مبررة لغياب أستراليا عن الوعي السياسي الخليجي أو العربي. فالولايات المتحدة الأميركية تبعد تقريبا نفس المسافة عن الخليج العربي ولكن تفاعلها مع المنطقة سلبا وإيجابا ملموس. والسبب يعود لحجم وتأثير أستراليا نفسها. فالولايات المتحدة رغم المسافات إلا أن إغفالها يحمل أثمانا كبيرة للدول. أما أستراليا فإن إهمالها لا يحمل كلفة سياسية كبيرة، ولكنه يحمل فرصا ضائعة.

ومع تزايد الاهتمامات بالشرق من قبل دول الخليج، كما نمت عنه زيارة الملك سلمان الطويلة إلى آسيا، وكذلك زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى الهند، فإن لأستراليا دورا مهما تلعبه في هذا المضمار، وخاصة أن علاقاتها بدول جنوب شرق آسيا وشماله طويلة ومتميزة.

ورغم ارتباط أستراليا تاريخيا بريطانيا، حيث كانت مستعمرة بريطانية والمستوطنون أتوا من تلك البلاد، إلا أنها تسعى إلى رسم هوية خاصة تتلاءم معها ومع جغرافية المنطقة وكجسر يربط المحيطين الهندي والهادئ. أستراليا لم تنشق عن المستعمرة الأم عنوة كما فعلت أميركا، ولا زالت أستراليا عضوا في رابطة الكومنويلث.

وعندما تعلق الأمر بالأمن الوطني فإن أستراليا اختارت الولايات المتحدة كحليف استراتيجي. وقد شاركت أستراليا مع الولايات المتحدة في عدة حروب منذ الحرب العالمية الأولى والثانية مرورا بالحرب الكورية والفيتنامية وانتهاء بالغزو الأميركي للعراق. وتعتبر أستراليا توطيد العلاقات مع واشنطن من اهم الأهداف الاستراتيجية لها، كما توضح استراتيجية الأمن الوطني لأستراليا.

ولكن رياح الانتخابات الأميركية أتت بما لا تشتهيه السفن الأسترالية. فالولايات المتحدة الشريك الأمني الرئيس بدأ يتذمر من تحمل أعباء النظام الدولي ووجه سهام نقده إلى أستراليا كعالة على واشنطن. وفي نفس الوقت تشكل الصين الشريك التجاري الأول بالنسبة لأستراليا.

وترى كانبيرا تهديدا حقيقيا في المواجهة المحتملة بين الولايات المتحدة والصين. وإذا ما تحققت هذه المخاوف، فإن أستراليا ستكون بين مطرقة الشريك الاستراتيجي الأول وسندان الشريك التجاري الأول.

والمعضلة الأمنية بالنسبة لأستراليا أن صعود الصين كقوة عالمية، اقتصاديا وعسكريا، بدا جليا، كما أن السياسة الصينية الحازمة في بحر جنوب الصين يقلقان كانبيرا في وقت يشهد العالم أكبر تحول جيوسياسي بانتقال مركز القوة من الغرب إلى الشرق. وفي نفس الوقت فإن المؤشرات القادمة من واشنطن تشير إلى انعزالية في السياسة الخارجية للإدارة الجديدة.

وبالنسبة لمنطقة الخليج والشرق الأوسط، فإن لأستراليا مصالح متعددة. وقد فهمت من كثير من الرسميين والباحثين في مراكز الفكر في أستراليا الاهتمام الذي يولونه لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي بالذات. ويرى المحللون الأستراليون أن هناك مصالح مشتركة مع الدول العربية من ناحية محاربة التطرف والإرهاب. ويخشى البعض أن بعضا من فلول تنظيم داعش قد يعاود نشاطه في جنوب شرق آسيا.

ويرى روجر شانهان من معهد لوي في سيدني ضرورة اعتماد سياسة أسترالية تجاه منطقة الخليج. ويقول ان الخليج مصدر طاقة مهم بالنسبة لأستراليا، حيث استوردت أستراليا 37 في المئة من حاجاتها النفطية من دول الخليج. كما أن استيراد النفط من دول الخليج مهم لمعظم الشركاء التجاريين لأستراليا. وعليه فإن أي اختلال في تدفق النفط في الخليج يؤثر على أستراليا وتجارتها الخارجية.

كما أن التحالف مع الولايات المتحدة يتطلب منها لعب دورا مساندا للولايات المتحدة في المنطقة. ولكن يصر الكاتب أن لأستراليا مصالح خاصة بها ما يتطلب سياسة مستقلة تجاه دول الخليج؛ ومن بينها ما يتعلق بالتجارة. ويعترف الباحث أن المسافة تحول بين أستراليا ولعب دور أكثر تأثيرا على المنطقة ولكن ذلك لا يمنع من وجود سياسة أمنية شاملة.

وبسبب محدودية المصادر التي تمتلكها أستراليا فإن على كانبيرا أن تكون على علاقات طيبة مع جميع دول الخليج ولكن تختار دولا منها لتطوير شراكة استراتيجية معها، حسب ما يرى الباحث. ويرى الكاتب أن الإمارات يمكنها أن تلعب هذا الدور؛ فدولة الإمارات هي الشريك التجاري الأول في المنطقة وتتمتع باستقرار سياسي ولها علاقات قوية بأستراليا. كما أن الإمارات تتمتع بموقع جغرافي فريد، يطل على الخليج العربي ولها منفذ إلى المحيط الهندي من الفجيرة.

المصالح الاستراتيجية لأستراليا في المنطقة واضحة المعالم، وعلينا في المنطقة أن نكون بنفس الوضوح لجهة مصالحنا كدول الخليج مع أستراليا.

 

Email