لاري ملك الحوار

ت + ت - الحجم الطبيعي

استمتعت وأنا أشاهد الحلقة «اليوتيوبية» الجميلة، التي ارتدى فيها الشاب الكويتي عثمان العنجري «غترته وعقاله»، واتجه بأحدث الكاميرات إلى أميركا، حيث منزل أشهر مذيع في تاريخ البرامج الحوارية في العالم، لاري كينغ، الذي قابل ألمع نجوم الفن والسياسة والاقتصاد والإعلام، يتقدمهم رؤساء دول عالمية عديدة، وصار صاحب أعلى دخل يمنح لمقدم برنامج حواري.

ودخل ببرنامجه موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأطول بث برامجي من نوعه، استضاف فيه أكثر من 40 ألف شخصية.

وكان مما كشفه له لاري كينغ عن أسرار تميزه، قوله: «لم أقل أنا» في لقاءاتي التلفزيونية قط، وهو ما ذكرني بكم الأنا التي نرددها في حواراتنا الاستعراضية اليومية، عن معلومات لم يسألنا عنها المستمع، ولا هو مهتم بها أصلاً.

لاري كينغ، ذلك المذيع الهادئ، ليس محاوراً تقليدياً، بل يخفي خلف وقاره وهدوئه، الذي حير المشاهدين، سلوكاً مقصوداً أثناء الحوار، إذ إنه يؤمن، حسب قوله، أن سر نجاحه، إنما يعود في المقام الأول إلى «حسن إنصاته»، لأنه يؤمن بأنك «لن تكون متحدثاً جيداً، ما لم تحسن الإنصات إلى محدثك».

ويقول في كتابه الرائع، كيف تتحدث إلى أي شخص في أي مكان وأي وقت «إنني لم أتعلم شيئاً في حياتي وأنا أتحدث، وفي كل صباح، أدرك أنه ما من شيء أتفوه به اليوم سوف يعلمني أي معلومة جديدة»، في إشارة إلى أنك حينما تتحدث، فأنت تفرغ ما في جعبتك من معلومات، ولا تستقبل شيئاً جديداً، بخلاف الإنصات.

ويسطر كينغ في كتابه بوضوح، أنك إن أردت أن تمسك بزمام الحوار، وتشد انتباه جليسك، فاختر موضوعاً يناسب اهتماماته.

«فكل فرد لديه موضوع واحد على الأقل يُحب التحدث عنه». لكن لاري يحذرنا قائلاً، إياكم أن «تكونوا جادين في الحوار لمدة طويلة» فهذا الأمر أدعى إلى نفور المستمعين. وربما هذا ما دفع برنامجه إلى ابتداع فكرة أولى من نوعها آنذاك في البرامج الحوارية بالعالم، وهي تلقي الاتصالات الهاتفية من المشاهدين، لأنه يؤمن أن إشراك السامع مهم لدفع الملل ورفع معدل التفاعل.

وقال أيضاً ذات مرة، عندما أدخل إلى حفلة أو مناسبة اجتماعية، فإنني أشجع الخجول أو الممسك عن الكلام على الدخول في النقاش، من خلال النظر إليه بصورة متكررة، وربما توجيه أسئلة سهلة الإجابة إليه، حتى يكون معظم الحاضرين متفاعلين مع الحوار.

ومن أسرار الحوار الناجح، أن لاري كينغ لا يعد نفسه نجم الحوار، أو محط الأنظار، كما نشاهد في «بعض» البرامج الحوارية العربية، التي يلعب فيها المذيع دور النجومية، ويعتقد أنه أهم من ضيفه!

وهذا كله جعلني لا أتردد في قبول دعوة وجهتها لي مؤسسة مسك الخيرية في الرياض، للمشاركة كمحاضر في جلسة حوارية بمؤتمرها العالمي مع لاري كينغ، وطرف ثالث، وقد حال دون مشاركتنا موعد طارئ. عدم ترددي كان نابعاً من أن هذا المخضرم، الذي اعتزل التقديم التلفزيوني، سوف يثري الحضور والمحاضرين معه.

غاب ملك الحوار، لاري كينغ، لكن مدرسته لم يأفل نجمها في سماء الإنترنت، فهو بحق، قامة إعلامية قيمة، ولا ألوم شبكة CNN الإخبارية، التي كانت تقله أسبوعياً من منزله في نيويورك، إلى مقر عمله في لوس أنجلوس بطائرة خاصة، ربما لأنها كانت تدرك أنها تقدم نموذجاً فريداً في الحوار الإعلامي الرفيع، الذي نحن في أمس الحاجة إليه اليوم في عالمنا العربي.

 

Email