دعونا نحلم ونعمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ألا ترون أنكم تحلمون، بل تبالغون في الحلم؟ هكذا هاتفني صديقي الذي كان يتابع القمة العالمية للحكومات من الخارج، بينما كنت أتابعها من داخل القاعات التي كانت تكتظ بالمشاركين والحضور.

قلت له: لماذا تعتقد ذلك؟ فقال: الدول تضع خططاً خمسية وعشرية، وعندما تبالغ عشرينية، وأنتم تضعون خططاً مئوية! عرفت أنه يقصد مشروع «المريخ 2117» الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة.

معلنين بذلك دخول دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل رسمي السباق العلمي العالمي لإيصال البشر إلى الكوكب الأحمر خلال العقود المقبلة، والذي يتضمن برنامجاً وطنياً لإعداد كوادر علمية بحثية تخصصية إماراتية في مجال استكشاف كوكب المريخ.

ويستهدف في مراحله النهائية بناء أول مستوطنة بشرية على الكوكب الأحمر خلال مئة عام، عبر قيادة تحالفات علمية بحثية دولية لتسريع العمل على تحقيق الحلم البشري القديم في الوصول لكواكب أخرى.

قلت لصديقي: وماذا في ذلك؟ لقد سئم المواطن العربي سماع أحلام كبيرة لا تُنفذ على أرض الواقع لأن الذين أطلقوها لم يخططوا لتنفيذها، وإنما أرادوا بها دغدغة مشاعر الجماهير وإلهاب حماسهم، فوئدت في مهدها، وكانت واحدة من أسباب نكساتنا وهزائمنا؟

ثم إن وصول البشر للكواكب الأخرى حلم إنساني قديم، فلماذا لا تقود دولة الإمارات جهوداً دولية لتحقيق هذا الحلم، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لدى الإعلان عن المشروع، طالما كانت تمتلك الطموح، وتعرف كيف تخطط لذلك؟

ألم تبدأ كل الاختراعات والاكتشافات التي غيّرت وجه التاريخ بأحلام مختلفة الأحجام؟ ماذا لو لم يحلم الإنسان ذات يوم بالوصول إلى القمر؟ هل كان سيعمل على صنع مركبات فضائية، وهل كانت ستطأ قدم إنسان أرضه في يوم من الأيام؟

ليس عيباً يا صديقي أن نحلم ونعمل من أجل تحقيق أحلامنا، ولكن العيب هو أن نحلم وننام، أو لا نحلم إطلاقاً.

لذلك فإن دولة الإمارات عندما حلمت بالوصول إلى المريخ، وبناء أول مستوطنة بشرية عليه، والوصول إلى كواكب أخرى، لم تغمض عينيها وتنام، وإنما وضع قادتها مسارات بحثية متوازية، تتضمن استكشاف وسائل التنقل والسكن والطاقة والغذاء على الكوكب الأحمر، والبحث في تطوير وسائل أسرع للوصول إليه والعودة منه خلال مدة أقصر.

وكان هدفهم بالدرجة الأولى بناء قدرات علمية ومعرفية إماراتية، وتحويل جامعاتنا إلى مراكز بحثية، وترسيخ شغف الريادة لدى الأجيال القادمة. الأحلام يا صديقي سهلة ومتاحة للجميع، لكن تحقيقها هو الصعب، لذلك اختار أغلب الناس أن يحلموا، واختارت قيادة دولة الإمارات أن تعمل لتحقيق ما هو أبعد من الحلم نفسه.

لهذا أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في ختام القمة العالمية للحكومات، مبادرة «10X» التي تسهم في تنفيذ رؤية دبي لتكون مدينة المستقبل، ووجه جميع الجهات الحكومية في إمارة دبي بأن تطبق اليوم ما ستطبقه مدن العالم بعد 10 سنوات.

وقال وهو يطلق هذه المبادرة إن المستقبل عبارة عن أفكار وأحلام يجب صناعتها وتجربتها في مختبرات، والمبادرة تجعل دبي أكبر مختبر للتجارب الحكومية المستقبلية في العالم.

دعونا نحلم ونعمل. هذا هو الشعار الذي ترفعه قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لأنها قيادة لا تؤمن بالمستحيل، فهي لا تضع الماضي فقط خلفها، وإنما الحاضر أيضاً، وتتجه نحو المستقبل. لذلك تم تغيير مسمى وزارة «شؤون مجلس الوزراء» إلى «شؤون مجلس الوزراء والمستقبل» في التشكيل الوزاري الذي جرى في شهر فبراير 2016.

كما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في شهر أبريل من العام نفسه «مؤسسة دبي للمستقبل» لتلعب دوراً محورياً في استشراف وصناعة المستقبل في إمارة دبي، ووجه سموه بإنشاء حاضنات المستقبل لإعادة ابتكار دور حاضنات الأعمال، وتفعيل دور الشركات الناشئة في مجال استشراف المستقبل.

واعتمد سموه كذلك برنامج مدن المستقبل كإطار عمل لإطلاق الاستراتيجيات والمشاريع التجريبية والبحثية ذات البعد المستقبلي، والهادفة لتحقيق الأسبقية العالمية لدولة الإمارات ودبي، وخلق نموذج يمكن الاستفادة منه عالمياً في مجال مدن المستقبل بجميع مكوناتها.

إذا كان التفكير في المستقبل يا صديقي حلماً، فإن التخطيط لتحويل هذا الحلم إلى واقع هو أول ما يعطي الأحلام مشروعيتها. وقد عانى العرب طويلاً من انهيار أحلامهم وانتكاس آمالهم، وأصبحوا في حاجة ماسة إلى من يعيد إلى نفوسهم الأمل في استئناف حضارتهم.

لهذا كانت دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لاستئناف الحضارة، في هذا المحفل العالمي الكبير، دعوة لاستعاد الأمل وإعادة الثقة بالنفس ونحن نخطو نحو المستقبل، ونشاهد عبر الواقع الافتراضي ما ستحدثه التكنولوجيا في حياة البشر من تحولات، ليصبح ما نعتبره اليوم حلماً واقعاً حقيقياً، وليس مجرد افتراض يطرحه أصحاب الخيال العلمي المستشرف للمستقبل.

أنهت القمة العالمية للحكومات أعمال دورتها الخامسة، وغادر الذين حضروها وشاركوا فيها حاملين معهم الدهشة التي عاشوها على مدى أيام ثلاثة، بينما واصل فريق «مؤسسة القمة العالمية للحكومات» عمله للإعداد للقمة السادسة التي ستنعقد خلال الفترة من 11 إلى 13 فبراير من العام المقبل. هذا هو الفرق بين الذين يحلمون وينامون، وأولئك الذين يحلمون ويعملون.

Email