سنوات الخطر في ظل نظام عالمي متفكك

ت + ت - الحجم الطبيعي

كنا- على مدى عقود- ومنذ أن ابتلينا بالتواجد الصهيوني على أرضنا، ثم بالخطر الإيراني على استقرار أوطاننا.. ندرك جيدا أن الفترة الأخيرة من حكم أي رئيس أميركي تمثل مخاطر إضافية علينا، حيث يكون الضغط الصهيوني على الإدارة الأميركية أكبر، وحيث تكون قدراتها على ضبط الأوضاع في مناطق الخطر أقل، وحيث تكون الفرصة مواتية للقوى الأكثر عدوانية في المنطقة لكي تمارس عدوانيتها وتوسع نفوذها، دون خشية من رد فعل أميركي يكبح جماح هذه القوى العدوانية..

الآن يبدو الحذر واجباً. ليس فقط في فترة الريبة، انتظاراً لتسليم السلطة للرئيس الأميركي الجديد، وإنما لفترة أخرى لا تعرف مداها.. حتى نتبين إلى أين تسير السياسة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي ترامب، وحتى تتضح معالم تغييرات عالمية تبدو وملامحها في الأفق، وتبدو ظاهرة ترامب نفسها مجرد جزء منها، وتبدو منطقتنا في قلب هذا التغيير القادم بعد أن كانت نقطة انطلاق له، حين أرادت الولايات المتحدة- مع غزو العراق وتدمير دولته- أن تفكك نظام المنطقة وتعيد تركيبه وفق رؤيتها.. فإذا بها، اليوم تجر العالم كله إلى مرحلة يتفكك فيها النظام العالمي كله.

أو على الأقل يواجه هذا الخطر!

بدأت أميركا حرب تدمير العراق وهي تخطط لإشاعة الفوضى التي كانت «تبشر» الجميع بأنها «خلاقة»! وتتصور أنها بذلك ستكمل سيطرتها على المنطقة استعداداً لتركيز جهودها بعد ذلك في الشرق حيث المنافسة مع الصين التي يمكن أن تمتد من الشأن الاقتصادي إلى العسكري!

ومنذ ذلك الحين كان الفشل الأميركي مروعاً سواء تحت إدارة بوش الجمهورية أو إدارة أوباما الديمقراطية التي أشعلت أميركا المنطقة، سلمت العراق لنفوذ إيران ولسطوة الميليشيات، أطلقت داعش ودمرت سوريا، وأعطت إيران الفرصة لكي تمد نفوذها وتحاول حصار دول الخليج العربي، وتهديد المنطقة بالحروب المذهبية، والوصول إلى باب المندب، والتفاخر بأنها موجودة في عواصم أربع دول عربية، وأنها قادرة على مد نفوذها إلى ما هو أبعد!

أشعلت أميركا المنطقة، ثم وجدت أن النيران ستحرق أصابعها «الرقيقة!». فحاولت أن توظف «التأسلم السياسي» العميل متمثلا في جماعة «الإخوان» لكي تفرق المنطقة في صراع طائفي.

ولكي تضمن استمرار الضعف العربي، وإبعاد باقي القوى الدولية عن التأثير في مصير الصراعات الإقليمية. لكن كل ذلك سقط مع سقوط الإخوان في مصر. لتلجأ واشنطن بعد ذلك إلى اختراع! داعش، وترك المنطقة رهينة للدواعش من ناحية، والميليشيات الإيرانية من ناحية أخرى.

لم يعد المطلوب الآن هو الحذر في شهور الريبة والترقب مع انتقال الإدارة الأميركية من أوباما إلى بوش.. بل أصبح الأمر أعقد من ذلك بكثير.

فنحن الآن أمام إدارة أميركية قادمة تمثل أقصى اليمين الأميركي، وأمام رئيس لا أحد في أميركا أو خارجها يدرك إلى أين يسير بالقوة الأعظم؟! وهل سينفذ ما قاله أثناء حملته الانتخابية من تصريحات عنصرية ومتطرفة أم سيقوم بتعديلها؟ لكن علينا أن ندرك أن القضية لن تكون قضية ترامب أو سيطرة الجمهوريين الكاملة على مجلسي الكونجرس فقط.

لكنها ستكون قضية تيار يمثل أكبر فئات المجتمع الأميركي تطرفاً يسيطر الآن على مفاتيح الإدارة الأميركية ويفرض سياساته التي تستهدف تفكيك النظام العالمي القائم تحت دعوى- أميركا أولاً- والتي تهدد بنقل الفوضى التي تعتبرها «خلاقة» من المنطقة العربية، لكي تسود العالم كله في عهد دونالد ترامب.

وتتضاعف حاجتنا في الوطن العربي كله إلى المزيد من الحذر، حين نجد أمامنا إمكانية استنساخ «ترامب» في دول عديدة بأوروبا، مع تصاعد قوى اليمين المتطرف والانعزالي والمعادي لـ«الآخر»، والمغالي في عدائه للعرب والمسلمين بحكم الاقتراب الجغرافي، واستقبال المهاجرين من ضحايا الإرهاب والصراعات في المنطقة العربية التي لا يدركون أن المسؤولية الكبرى عنها تقع على أيدي أميركا وحلفائها.

وليس على العرب الذين كانوا-وما زالوا-ضحايا لسياسات أميركية خرقاء، وضعتهم في قبضة الإرهاب والفتن الطائفية، والأطماع الإقليمية. ثم تركت كل ذلك رهينة عند رئيس أميركي اسمه ترامب، ورئيس روسي هو بوتين.. أما النتائج فعلمها عند الله!

الحذر العربي ينبغي أن يتضاعف، حين تكون أوروبا المتحدة مهددة بالتفكك في ظل خطر صعود يمين متطرف ومعاد للإسلام والعرب مستغلا جماعات الإرهاب التي تدعي الإسلام والتي خرجت كلها من عباءة جماعة الإخوان الخائنة للدين وللأوطان.

علينا أن نأخذ حذرنا فالنظام العالمي يواجه تهديداً حقيقياً. والاتحاد الأوروبي يواجه خطر التفكك، بل إن دعوات الانفصال وصلت إلى ولايات أميركية في مقدمتها كاليفورنيا! والفوضى «الخلاقة!» التي ظنت الإدارة الأميركية أنها الطريق لسيطرة أميركية كاملة على الشرق الأوسط تمهد للتفرغ للصراع مع الصين، والسيطرة على العالم، وهل القرن الحادي والعشرون قرناً «أميركياً» وهذه «الفوضى الخلاقة جدا!» ترتد إلى العالم الغربي وتهدد أميركا نفسها.

فلنستعد لسنوات صعبة.. كانت أميركا تخطط قبل سنوات لتفكيك العالم العربي. الآن يتفكك النظام العالمي بأكمله، وتواجه أميركا نفس المخاطر، ويبدو العالم بلا قيادة، ويبدو الرئيس القادم «ترامب» عنواناً للمجهول الذي نواجهه، ويواجهه العالم كله معنا!

Email