«ترامب».. من يحلم بمثل هذا المنافس؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أعرف ما إذا كانت هيلاري كلينتون كانت عاجزة حقاً عن توجيه الضربة القاضية لمنافسها دونالد ترامب أثناء المناظرات الثلاث التي أقيمت بينهما.

أم أنها كانت تتعمد الإبقاء عليه قرب السقوط حتى لا تفقد العملية الانتخابية اهتمام المواطنين الأميركيين بها، وبالتالي يتراجع عدد المشاركين في التصويت، وهو الأمر الذي يضر بكلينتون، كما يضر بالمرشحين عن الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، التي ستجرى بالتزامن مع انتخابات الرئاسة.

أياً كان الأمر، فإن ترامب يمضي من سقوط إلى سقوط، وكلينتون، رغم نقاط الضعف الكثيرة لديها فإنها تعتمد على ما يرتكبه منافسها من أخطاء، وما يحفل به تاريخه من فضائح، والنتيجة أننا أمام واحدة من أسوأ المنافسات في انتخابات الرئاسة الأميركية، إن لم تكن أسوأها على الإطلاق.

قبل المناظرة الثالثة والأخيرة بدا ترامب في موقف يائس إلى الحد الذي توقع كثيرون أن يعلن أثناء المناظرة انسحابه من الحوار أو من الانتخابات، كان الرجل يقاتل «أو يستسلم» أمام فضائحه وبذاءاته، وأمام الحزب الديمقراطي الذي وحد صفوفه تقريبا وراء مرشحته كلينتون، ويحارب أيضا ضد الحزب الجمهوري الذي يترشح باسمه، والذي انفض زعماؤه من حوله وترك هو المنافسة الانتخابية ليوجه الشتائم للحزب الذي رشحه وللإعلام الذي يتهمه بالانحياز لمنافسه، ثم يصل للنهاية حين يقول إن الانتخابات ستتم تزويرها.

وكأنه يتحدث عن انتخابات تجرى في دولة من عالم ثالث أو رابع وليس عن انتخابات لرئاسة أكبر دولة في العالم. رغم كل السلبيات التي يمكن أن ترافقها!

في المناظرة الأخيرة بدا ترامب وكأنه يؤكد بالفعل ما وصفه به منافسه كلينتون السابق على ترشح الحزب الديمقراطي بيرني ساندرز حين قال إنه يمثل «الخطر الأكبر» على أميركا، والذي ينبغي على الجميع أن يتوحد لإسقاطه.

على عكس التوقعات، بدا الرجل صامداً، لم يقل شيئاً جديداً، بينما تركته كلينتون يواصل حماقاته وهي تستدرجه بوصفه بـ«دمية بوتين» فلا يستطيع أن يدافع عن موقفه حين استدعى بنفسه تدخل بوتين لمساعدته في الانتخابات!

وعلى عكس التوقعات أيضا لم يعلن الرجل انسحابه، ولم يتراجع عن اتهاماته بتزوير الانتخابات القادمة لمصلحة منافسته بل مد الخط إلى نهايته حين رفض التعهد بقبول نتيجة الانتخابات أيا كانت! ورغم أنه أرجع ذلك إلى رغبته في ترك الأمر مفتوحاً من باب «التشويق»! فإن الأمر هنا بدا للمواطن الأميركي وكأنه «لعب بالنار».

خاصة أن شخصية الرجل لا يمكن التنبؤ بما تفعله، فهو ليس «آل جور» الذي مر بتجربة استثنائية في التعامل مع الانتخابات الرئاسية عام 2000 نافس فيها بوش الابن، ووضعت أميركا في مأزق ساهمت حكمة آل جور في تجاوزه.

كانت النتائج في هذه الانتخابات متقاربة، وحين أعلن فوز بوش الابن هنأه منافسه، لكنه عاد وسحب التهنئة وطلب إعادة الفرز في بعض الولايات، ورفع الأمر في النهاية للمحكمة العليا، وبقيت النتائج معلقة لأكثر من خمسة أسابيع، ثم حسمت بأغلبية بعض مئات من الأصوات، وبصوت واحد في المحكمة العليا لصالح بوش الابن.

وبقيت الشكوك حتى الآن في هذه النتائج التي حمّلت أميركا والعالم و«العرب قبلهم» سنوات من حكم عصابة اليمين الأميركي، التي ما زلنا ندفع «والعالم كله معنا» ثمنها حتى الآن!

الأمر الآن يختلف، نحن أمام مرشح يجمع بين الحماقة والجهل السياسي. وأمام حزب جمهوري يتفكك بعد أن سلم أموره لأقصى اليمين لسنوات فقادته لأن يكون مرشحه للرئاسة هو ترامب الذي تعامل معه الحزب على أنه مهرج فأصبح الخطر الأكبر على أميركا. ونحن أمام ظروف تضع أميركا في مفترق طرق.

أنقذها أوباما من أزمة اقتصادية كان يمكن أن تكون قاتلة، وحاول التعامل مع نتائج سياسات بوش الكارثية، لكنه في النهاية يبقي أميركا في موقف المتراجع خارجياً، ويترك وراءه نتائج سياساته الخاطئة في الشرق الأوسط ومهادنته للإرهاب الإخواني أو الإيراني، وضربه قواعد الاستقرار في المنطقة.

في ظل هذه الظروف فإن آخر ما تحتاجه أميركا أن تخلق لها الحماقة السياسية أزمة داخلية، أو أن يقودها ترامب إلى لحظة فراغ، بعدم اعترافه بنتائج الانتخابات التي يعرف بالتأكيد أنه قد خسرها، وإلا ما كان أطلق اتهاماته المسبقة بالتزوير، ورفض التهديد بالاعتراف بالنتائج المرتقبة، متصوراً أن أحداً سيصدق أن فيما يفعل أي درجة من درجات «التشويق»!

يعرف ترامب أنه لا يمكن أن يحارب حزبه، والحزب المنافس والإعلام والأقليات والمرأة، وحتى المرشح لنائب الرئيس الذي اختاره.. ثم يفوز في الانتخابات!

ويعرف ترامب أنه لا يمكن أن يطلب مرشح للرئاسة في أميركا معونة الرئيس الروسي بوتين ضد منافسيه. ثم يصل إلى البيت الأبيض!

ويعرف الحزب الجمهوري أن ترشيح ترامب عنه كان تعبيرا عن أزمته التي قد تدمره أو تدفعه لإصلاح جذري. لكن هذا الترشيح لا يمكن أن ينتقل ليصبح أزمة لأميركا كلها.

ويعرف الأميركان أن ترامب كان مسلياً لهم في المرحلة الأولى والمنافسات حين كان يرتدي ثوب «المهرج» وسط مناخ حزبي يحتاج بالتأكيد للتغيير. لكن المشكلة أن المهرج فقد تأثيره حين استلزم الأمر أن يتحول من التهريج إلى السياسة. فكانت السقطات وكان التراجع وكان العجز عن مواجهة كلينتون بكل سلبياتها.

لم تعد المعركة الانتخابية في أميركا حول الرئاسة. بل على الكونجرس بمجلسيه. وربما لهذا السبب لا يريد الديمقراطيون الإجهاز على ترامب الآن حتى مع هذه الجعجعة عن تزوير الانتخابات أو الحديث عن عدم الاعتراف بنتائجها.

ترامب باق في المنافسة، لأن كلينتون والديمقراطيين هم أكبر الرابحين من وجوده. من يحلم بمثل هذا المنافس في مواجهته؟!

Email