على من نراهن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ختام رباعية مقالات اللوبيات وتأثيرها في توجيه السياسة الأميركية، ونجاح البعض في إعادة النظر للخارطة الإقليمية بشكل مختلف، بل ومغاير للواقع، كما نجح لوبي إسرائيل في تصوير كيانهم المغتصب، وكأنه التجربة الديمقراطية المضيئة الوحيدة في عالم الديكتاتوريات العربية المظلمة في الشرق الأوسط، وكما نجح أيضاً لوبي إيران في تمرير المشروع النووي، وفي تقديم جمهورية الإرهاب الكبرى، كشريك في محاربة الإرهاب، يهمنا أن نتساءل، وماذا عنّا نحن؟

في رأيي الشخصي، فإن وجود لوبي «خليجي» موحد الرؤية والاستراتيجية والمقاربات، ضرورة حتمية، وعندما أُركّز على وصف «خليجي»، فلسببين، أولهما أنّ الاستهداف ضد دول الخليج عالٍ للغاية، والمنطقة تمر بمرحلة مفصلية في تاريخها، بعد أن أصبحت ساحة لتصارع القوى الكبرى، وميداناً لتنازلاتها و«هِباتها» لبعض الدول المارقة التي تخدم أجنداتها الوقتية على حساب شعوب المنطقة واستقرارها، وثانيهما، كثرة اللوبيات العربية في واشنطن، والتي بلغت 13 لوبياً، يصحّ فيها ما يقوله مثلنا المحلي: «كلٍ على قرصه يهيل مليل»، وأنفقت العام الماضي ما يزيد على 34 مليون دولار في جهود متشرذمة وأجندات فردية ضيقة، ما أضعف تأثيرها على المستويين النخبوي والشعبي!

من المهم الإشارة إلى أن المسرح الأميركي يعمل به أكثر من سبعة آلاف لوبي ومجموعة ضغط مختلفة الجنسيات والتوجهات والتخصصات، وليس من السهولة إيجاد موطئ قدم ثابت، فضلاً عن تشكيل عامل تأثير فعال، ما لم تكن المقاربة مختلفة عن المعتاد، وبدون دخول السباق والجري عكس المسار، كما فعل رئيس ما يسمي بلوبي «سابراك»، والذي خرج قائلاً إن بإمكان إسرائيل أن تكون عامل نجاح لرؤية السعودية 2030، ليصدم الإسرائيليين أنفسهم، قبل أن يصدمنا، وكأنّ أرض الحرمين من الممكن أن تتاجر بقضية ثالث المساجد الحرام!

الوضع ليس سهلاً لعدة مسببات، فالبيت الأبيض ينظر للعرب بطريقة مختلفة مشوبة بالشك، ففي لقاء جيفري غولدبيرغ مع باراك أوباما بمجلة The Atlantic في مارس 2016، أكدّ الرئيس الأميركي تضرّر بلاده من دور لوبيات مراكز تفكير السياسة الخارجية، وأشار إلى وجود شعور قوي داخل البيت الأبيض، بأنّ مراكز التفكير الأميركية تعمل لمصلحة «الـمُمَوِّلين العرب» والمناصرين لإسرائيل، مؤكداً ما يقوله مسؤولو الإدارة الأميركية، بأنّ شارع ماساتشوستس بواشنطن، حيث العديد من مراكز الدراسات، يقع «تحت الاحتلال العربي»!

ثاني الأسباب، هي الصورة المظلمة التي زُرِعَت عن العرب في المخيلة الأميركية، والتي بدأها اللوبي الصهيوني، وكرّسها لوبي طهران، بل واجتهد في ترسيخها خَوَنة العرب، ممن يستعد لبيع أُمّته كلما رأى أوراق الدولارات، ففي تقرير من 130 صفحة، نُشِر عام 2011 من خلال Center for American Progress، كشف عن وجود أربع أشخاص عرب، هم ناهد درويش وزهدي جاسر ووليد فارس ووليد شعبيات، تصدروا حملة كبيرة للتحريض على المسلمين في أميركا، وقاموا بأنشطة تكلّفت 42 مليون دولار لتخويف المجتمع الأميركي من العرب والمسلمين، وبأنهم يملكون خطة لتدمير الحضارة الغربية، فوق ذلك، من المهم الإشارة إلى أن أحد كبار الداعمين للمشروع الإيراني، والملوثة برشاوى طهران، والمعادية لدول الخليج، هي السيناتور سينثيا جيان، زوجة المحامي والسياسي لبناني الأصل بيل شاهين!

ثالث الأسباب، افتقاد اللوبي الخليجي للقاعدة الشعبية التي تستطيع أن تشكل ضغطاً على متخذي القرار، وعلى مجلسي الكونغرس: النواب والشيوخ، فالعرب هناك من دول مختلفة، وبعضها لا يحمل كثيراً من الود، فضلاً عن التأييد والانتماء لدول الخليج، والتي ظهرت في موقفين، الأول، رفض قطاعات كبيرة منها للتدخل الدولي خلال غزو العراق للكويت، والثاني، سلبية مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية CAIR من موجة التصعيد ضد السعودية، فيما قبل إقرار قانون جاستا، والتزام قياداته «إخوانية الهوى والتأسيس» للصمت، رغم أنهم عام 2015، وقفوا بقوة مع إيران خلال فترة الجدل حول البرنامج النووي، بل وقاموا بدعوة الرئيس الإيراني السابق، محمد خاتمي، للحديث في أميركا، من باب ما أسموه «ضرورة فتح خطوط اتصال» بين أميركا وإيران!

من المهم ألا يضيّق الخليج على نفسه الخيارات، فرغم أنّ العرب هناك يصلون لستة ملايين شخص، إلا أن دورهم شبه معدوم، مقارنة بدور ستة ملايين يهودي، وثلاثة ملايين إيراني، أحد الخيارات، هو التركيز على المسلمين من غير العرب، والذين يبلغون 60 مليوناً، وعلى المتعاطفين مع العرب والمسلمين من السود واللاتينيين، والذين يبلغ عددهم أكثر من 100 مليون، هنا، نتحدث عن نصف سكان أميركا ممن يحق لهم التصويت، وقادرون كـ «عدد»، على تشكيل قوة ضغط هائلة على مرشحي الرئاسة!

رابع الأسباب، هي أننا نفتقد لخطة استراتيجية بعيدة المدى، وليس سياسة «إطفاء الحرائق» الانفعالية، أو الضغط من أجل تمرير صفقة، أو تبنّي موقف معين، إذ لا يمكن إقناع صُنّاع القرار هناك، بقضايا متناثرة، لا يجمع بينها تصوّر كامل، أو تمثل جزءاً من «قصة» أو فكرة كبيرة مقنعة بما فيه الكفاية، من أجل منفعة «متبادلة»، هذه «القصة» تعني أن يتم تسويق الخليج كوطن يتمتع فيه ساكنوه بالعدالة والحرية والمساواة، ويتناغم مع الحضارة الغربية إيجابياً، ويحوي العشرات من الجنسيات والأعراق والأديان دون تفرقة بينها، وطروحاتها دوماً هي للسلم والتعايش الإيجابي مع دول الجوار، وهي المفردات التي تؤثر في الوجدان الأميركي تحديداً، وبسببها نتعرض لحملات استهداف كبيرة.

حالياً، نحتاج أن نسير بخطين متوازيين، العمل على خطة بعيدة المدى، واتِّباع تكتيك آني يقوم على البحث عن «المفاتيح»، ومن يستطيع التأثير فيها أو التأثير في من يستطيع التأثير فيها، وذلك كما يعبر عنه جي كرافورد كوك: «لا بد أن تؤثر في القلة المؤثرة في الأغلبية، لا أن تؤثر في الأغلبية التي تستطيع الضغط على القلة المؤثرة»، المهم هنا، ألا نُضيّق على أنفسنا الخيارات، فالأوراق المطروحة كثيرة، وفرص النجاح متوفرة، المهم أن نعرف جيداً: على من نراهن!

Email