الألوان أربعة لا غير!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كتابه «فن الحرب» يقول صن تسو المتوفى بالقرن الخامس قبل الميلاد: «حين تبلى الأسلحة وتصبح الأرواح محبطة وتُستَهلَك قوانا ومواردنا، سيستغل الآخرون إنهاكنا للتفوق علينا، حينها حتى لو كان عندنا قادة حكماء فلن يستطيعوا تحويل الأمور للأفضل»!

الصورة ليست «لوغاريتم» يصعب فك رموزه، فالبلد المنهك والممزق يسهل اختراقه من العدو حتى لو امتلك أفضل القادة، فالشق يصبح أكبر من قدرة الراقع والعلاج قد مر وقته واستفحل المرض، والعاقل من بادر بتوعية من حوله وأقنعهم لحذو حذوه من أجل إبقاء بلده نشطاً يقظاً متماسكاً في جبهته الداخلية أولاً، فللوطن حقوق وجميعها لها الأولوية على كل الحقوق الفردية، لأنه ببساطة لن تتبقَ أية حقوق لهم إن زال ذلك الوطن!

لكل فرد هدف ومطمح، لكن غايات الوطن هي الأهم، والألوان كثيرة ومثيرة لكن ألوان العلم الأربعة هي الأساس وهي وحدها من تستحق أن تُفدى بالروح، والمواطنة الصالحة تفترض منا أن نُعطي دونما انتظار مقابل، وأن نحب هذا الوطن حُباً غير مشروط وأن نعلم يقيناً أن مسؤوليتنا للحفاظ عليه هي مسؤولية جماعية وفرض عين لا فرض كفاية خاصة في هذه الأيام، التي تموج بها الفتن.

من المواطنة الصالحة ألا نسهم في تمزيق النسيج الداخلي بافتعال عصبيات وثارات ساذجة من أجل فريق كرة قدم أو مشاركة في هاشتاق عبثي، بل يتم وأد الفتنة في مهدها وتقطع الجذور قبل أن يشتد ساق تلك الشجيرات السيئة وهنا يظهر مهماً دور المؤثرين في شبكات التواصل الاجتماعي لإعادة ترتيب الأولويات للجيل الناشئ، الذي دخل بعضه منعطفاً متشنجاً، إما للجهل وإما الظهور أو «مع الخيل يا شقرا»، وأن تُستغل تلك المنصات لنشر الرسائل الإيجابية والقيم النبيلة، وأولها حب الوطن والاهتمام بتفاصيله وليس بحثاً عن الشهرة أو ترويجاً للتفاهة! من المواطنة الصالحة أن نعلم أبناءنا حب وطنهم والحرص عليه وأن نُريهم ما يجري لمن سُلب نعمة الوطن أو حرم نعمة القيادة، التي تحرص على خيره وصالحه، وأن ننتبه لهم مهما بلغت ثقتنا بهم وحَسُنت تربيتنا لهم، وألا يظن أحد أنه بمأمن من استدراج صعاليك الظلام وتُجار الموت، وألا يقول «عيالي غير»، فغيره قالوها أيضاً، قبل أن يصحوا وفلذات أكبادهم ينشرون الموت، بعد أن استفرد بهم الأبالسة في خلواتهم بغرفهم على شبكات التواصل ومنصات الألعاب! ومن المواطنة الحقة أن يقف رجال الأعمال مع وطنهم فزمن رد الجميل قد حل منذ أمد بعيد، والجميع منهم مطالب بتوفير فرص عمل في شركاتهم لشباب الوطن ونواحي البلاد تحتاج إلى أن ترى بصمات مشاريعهم الخيرية، كما يفعل البعض منهم مشكوراً مأجوراً، لا أن نراهم فقط على صفحات الملاحق الرياضية- ولا أعلم دخلهم بها- لـ«التحرطم» إثر الإخفاقات الرياضية والتباكي على راية الوطن وسمعته، هنا نقول لهم: راية الوطن شامخة وسمعته كالذهب الخالص ولكنكم أنتم من نحتاج منهم أن يُثبتوا لنا من أي عيار هم، لأجل وطن وفر لهم ما لم يحلم به أحد!

من ركائز المواطنة الصالحة أن يُشْفَع كل توجيه باقتراح أو حل، أما طرح النقد دونما بديل فهو مجرد تهييج وسعي لخلق بيئة قائمة على التذمر الذي يصل لاحقاً للتصادم والتمرد، وأن نبتعد كلياً عن ترويج بعض الأسئلة التي تخرج فجأة «وهي فجأة مقصودة» في وسائل التواصل الاجتماعي بدعوى إدراج اسم البلد في قائمة معينة أو اتهامه بأمر ما من منظمة مشبوهة، هنا لم يكن الغرض للبحث عن نفي، ولكن لإثارة الشبهات وتهييج الشكوك!

دور كل مثقف أو واع منا هذه الأيام أن يغرس في نفوس أهله وأصدقائه ومَن يعرف نعمة الوطن الآمن، وأن يكشف أكاذيب دجالي التمرد والتخريب بكل عباءاتهم وأقنعتهم الدينية والليبرالية والثورية، وما أشاعوه بأدبياتهم الشيطانية من مصطلحات مقلوبة، فإن نادى العقلاء بضرورة طاعة ولي الأمر قالوا: تلك عبودية، وإن قال ناصح: احمدوا الله على النعمة والخير في هذا البلد أو ذاك قالوا: تلك حياة البهائم التي لا تهتم إلا بالأكل، ولما نفخوا في نار الفتن في تلك الدول البائسة واحترق الأبرياء بنارها علت أصواتهم بأن ثمن الحرية غال لا بد من دفعه، قالوا وما زالوا يدندون بهذا، وهم أول من هرب لبلاد أوروبا، هؤلاء لا بد أن يُكشفوا مراراً وتكراراً حتى لا ينسى الناس ويُخدَعوا من جديد!

سيخرج الأبالسة ليشوشوا على الناس كما قال أحدهم «ألم تكن طاعة قوم فرعون من المواطنة الصالحة بتقديس حكمه قبل أن يأتي مثير الشغب موسى بالفوضى؟» في تلاعب مقصود للمصطلحات وتركيب معكوس للأحداث مع إساءة أدب لأحد الأنبياء الكرام، هنا هم يسيرون على نهج كبيرهم إبليس في تلبيس الحق بالباطل والزج بأمور منطقية في مقارنات غير منطقية عندما رفض السجود لآدم بقوله: «‎قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»، هذه التلبيسات قد تنطلي على البسطاء، ما يستدعي أن يترك «كل» المثقفين وضعية المراقب فقط وأن يقف لتوضيح الحقائق وكشف الملابسات وفساد المقارنات التي يبني عليها هؤلاء الأبالسة نتائج شيطانية لتمزيق الدول وكسر هيبة حكوماتها.

يقول صن تسو: «فن السيطرة على النفس أن تبقى هادئاً خلال انتظارك أن تعم الفوضى صفوف أعدائك»، والأعداء المتربصون كُثُر، ومحاولاتهم للنيل من أوطاننا لم ولن تتوقف، وأول محطات دفاعنا عن هذا الوطن ألا نسمح بأي أمر يمس نسيجه الداخلي مهما صَغُر، ولئن قلنا إننا جديرون بهذا الوطن ونحن كذلك، فقد حانت اللحظة ليفخر بنا، ويفاخر الدنيا بأنه جدير بنا أيضاً!

Email