تحرير الموصل.. إشكاليات توزيع الأدوار

ت + ت - الحجم الطبيعي

إدارة الرئيس أوباما التي عانت من سلسلة إخفاقات في سياساتها الخارجية بحاجة ماسة، وهي في أشهرها الأخيرة، لتحقيق نجاح يدعم موقف الحزب الديمقراطي على أعتاب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، بحاجة لتحقيق نصر حاسم على تنظيم داعش في الموصل وفي الرقة أكبر مدينتين يحتلهما التنظيم في العراق وسوريا.

التوقيت لهاتين المعركتين تحددهما الإدارة بما يتفق مع تهيئة وإنضاج المسرح الانتخابي، فالاستعدادات لتحرير الموصل وصلت إلى مراحلها النهائية، أما في سوريا فمدينة منبج على وشك السقوط بيد القوات التي تدعمها الولايات المتحدة ليصبح الطريق سالكا نحو الرقة معقل التنظيم في سوريا.

الأجواء التي تحيط بعملية تحرير الموصل لا تلقي الضوء على الوضع السياسي القلق وعلى هشاشة العملية السياسية في العراق فحسب وإنما على طبيعة الخلافات التي ستطفو على المسرح السياسي في مرحلة ما بعد داعش والتي من المتوقع أن تتصاعد إلى مستوى الاحتكاكات والمواجهات.

هناك قدر كبير من التعقيد في التعامل مع المعركة المرتقبة ليس بسبب قوة تنظيم داعش على الرغم من أنه قد سيطر على هذه المدينة منذ سنتين ووطد وضعه فيها لأنه يعتبرها عاصمة دولته المزعومة بل بسبب الظروف المعقدة التي تحيط بهذه المهمة سياسيا وعسكريا وأمنيا وإنسانيا.

في سياق التهيؤ لمعركة الموصل تحركت الولايات المتحدة على أكثر من محور فقد عقد اجتماع لوزراء دفاع دول التحالف الدولي وعقد اجتماع آخر لمجموعة الدول المانحة لدعم العراق ضد الإرهاب حيث بلغ مجموع تبرعات إحدى وثلاثون دولة 2.1 مليار دولار وذلك لمواجهة موجة النزوح المتوقعة من الموصل عند بدء العمليات العسكرية ولدعم الاستقرار والإعمار في المناطق المحررة.

أما على المستوى العملياتي فقد أعلن التحالف الدولي مؤخرا بأن عدد عناصر داعش في الموصل يتراوح بين 5 إلى 10 آلاف عنصر، فيما بلغ عدد قوات التحالف، غير العراقية، سبعة آلاف مقاتل معظم هؤلاء قوات أميركية من مختلف الرتب بعضها قوات خاصة، فمعركة تحرير الموصل تحتاج إلى خبرات قتالية داخل المدن وهو ما يلقي العبء الأكبر على قوات مكافحة الإرهاب العراقية.

الولايات المتحدة تمسك بخيوط اللعبة لأنها تقود التحالف الدولي في الحرب على داعش إلا أنها تواجه صعوبات لا يمكن التقليل من شأنها تتعلق بتوزيع الأدوار القتالية على القوات التي تتنافس في الذهاب إلى جبهة الموصل، فالفرقاء العراقيون يفتقرون إلى توافق سياسي هم أحوج ما يكونون إليه قبل بدء معركة التحرير.

في هذا السياق طالب رئيس الوزراء العبادي عبر مكتبه الإعلامي الكتل السياسية تجاوز حالة الانقسام ودعم جهود الحكومة، هذا في الوقت الذي لا يزال بعض من هم في موقع المسؤولية، داخل مجلس النواب بشكل خاص، يدلي بتصريحات تنضح بالسموم الطائفية التي تديم الشروخ في المجتمع.

الأجواء السياسية في العراق ملبدة بغيوم كثيفة، فإضافة إلى الصراعات التقليدية التي يشهدها المسرح السياسي منذ سقوط النظام السابق برزت صراعات جديدة تضفي المزيد من القلق على مستقبل استقرار البلد وهذه الصراعات هي شيعية شيعية، كردية كردية، سنية سنية.

وهي خلافات أضفت المزيد من التعقيد على الاستعدادات لمعركة تحرير الموصل ومن سيشارك فيها، فقد سبق لمجلس محافظة نينوى أن رفض بالإجماع مشاركة الحشد الشعبي في المعركة وهو موقف يلقى دعما من إقليم كردستان الذي يحشد آلاف المقاتلين للاشتراك بمعركة تحرير الموصل في الوقت الذي يصرح فيه وزير الدفاع بأن الحكومة لن تسمح لقوات البيشمركة بدخول المعركة.

أما بخصوص مشاركة الحشد الشعبي فالوزير نفسه وضع ذلك بشكل غامض حين صرح أن إشراك الحشد الشعبي في المعركة المرتقبة لتحرير مدينة الموصل من سيطرة تنظيم »داعش« سيتم طبقا للخطط العسكرية وموافقة رئيس الحكومة حيدر العبادي.

في ضوء ذلك تزداد العلاقة بين بغداد وأربيل تشنجا حيث برز الخلاف مجددا حول عائدية بعض المناطق في عدد من المحافظات خارج إقليم كردستان تعتبرها أربيل كردستانية وترفض بغداد ذلك، وقد رُحِل هذا الخلاف في حينه عند كتابة الدستور عام 2005 واختصت المادة 140 لمعالجته.

فقد أعلنت وزارة البيشمركة أن قواتها لن تنسحب من المناطق التي سبق أن حررتها من قبضة تنظيم داعش خلال السنتين الماضيتين وإن تسوية وضعها سيتم وفق المادة 140 من الدستور عن طريق إجراء إستفتاء حول رغبتها في الإنضمام للإقليم أم البقاء خارجه.

من ضمن هذه المناطق مدينة الطوز التي تسكنها أغلبية تركمانية شيعية ومدينة سنجار التي تسكنها أغلبية إيزيدية ومناطق في سهل نينوى تضم مدنا وقرى مسيحية، وهناك مناطق أخرى في محافظة ديالى، وتبقى القضية الأكثر أهمية وخطورة في هذا الخلاف هو مصير كركوك.

مستقبل الوجود الأميركي في العراق سيكون أحد أبرز نقاط الخلاف داخل البيت الشيعي على الرغم من أن هذا الوجود يقتصر على عدد من القواعد الجوية منتشرة في أرجاء العراق منها الحبانية وعين الأسد وقاعدة جوية ثالثة يجري إنشاءها قرب حقل عكاز الغازي عند الحدود مع سوريا في محافظة الأنبار، وقاعدة سبايكر في محافظة صلاح الدين وقاعدة القيارة التي يجري إعادة تأهيلها بعد تحريرها مؤخرا في محافظة نينوى.

 

Email