كواليس «ساق البامبو»

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال له أحدهم: «أنت يا دوب تصلح حكاواتي»! وقال آخر «ارمي هذا النص بالدرج»! و«أنت لا يمكن أن يطلع منك روائي»! هذه إحدى العبارات المثبطة أو الجارحة التي قالها بعض النقاد للروائي الكويتي الشاب سعود السنعوسي، حينما قرؤوا عمله الأول، وذلك قبل أن ينال لاحقاً جائزة البوكر العربية المرموقة عن روايته «ساق البامبو».

هذه الرواية تعرض حالياً كمسلسل رمضاني على 7 قنوات فضائية ما عدا تلفزيون الكويت.

في حواري مع الصديق السنعوسي، قبل أيام، الحائز جائزة الدولة التقديرية، صارحني بأنه «مدين» لمن قال هذه العبارات القاسية بحقه، لأنها «دفعتني لأن أطور نفسي بقوة»، وهو ما يبدو جلياً حينما نعلم أن الرواية الأخيرة ترجمت إلى خمس لغات، واعتمدتها جامعة جورج تاون العريقة، وقالت عنها صحيفة «النيويوركر» إنها راوية «absorbing» أي جاذبة أو مثيرة للاهتمام.

وليس السنعوسي الوحيد الذي تعترضه الإحباطات خلف كواليس أعماله، فحتى د. علاء الأسواني صاحب رواية «عمارة يعقوبيان» التي مثلها عادل إمام في فيلمه، كتب صراحة في مقدمة «نيران صديقة»، أن لجنة القراءة بهيئة الكتاب «رفضت بالإجماع» مجموعته القصصية، لأنها «تحتوي على آراء هدامة وتسخر من قيم المجتمع»، فقال لهم إن هذه ليست آرائي بل خيال أبطال القصة!

فاشترطوا عليه كتابة فقرة في مطلع الكتاب «يتنصل» فيها من كل الآراء الواردة بتلك القصص الخيالية!

إن وراء كواليس مسرح الحياة ما هو أدهى وأعجب وأمر. فمن يتخيل أن من كان يقول بحقيقة كروية الأرض قد يعرض حياته للخطر. وأن الرحالة كانوا يخشون الإبحار من جهة إسبانيا باتجاه أميركا (قبل اكتشافها) خشية أن تهوي سفنهم في نهاية المحيط ظناً منهم أن الأرض مسطحة، وأن تلك هي أقصى نقطة فيها! ومن كان يتخيل أن شيخ الإسلام الجليل بن تيمية قد سجن سبع مرات بسبب آرائه، وأنه لقي حتفه بالسجن.

كم مبدع ومتفان وطموح حاول أن يقدم عمله للناس فقوبل بعاصفة هوجاء من النقد، جعلته يتراجع عن عمل كان يمكن أن يخلد فيه ذكره.

وهذا ما يذكرني بممثل عربي شهير سمعته يقول إن بعض من يكرهونه يتعمدون التشويش عليه بنظرات استهزائية خلف كواليس الكاميرا أو بأن يمعروا وجوههم حتى يشتتوا تركيزه ويضعف أداؤه.

الأمر الذي يؤكد أن رحلة الناجحين محفوفة بمضايقات، فهي ليست دائماً مفروشة بالورود.

وهذا ما يحتم أن يحسن الإنسان اختيار من يصغي إليه حينما يتعلق الأمر باستشارته بمشروع جديد سيقدم عليه. ولابد أن نتفق بأن بعض الناس ليس لديهم المقدرة على تخيل عمل غير منجز في حين هناك من تؤهلهم قدراتهم التخيلية وخبرتهم الطويلة في تصور المشروع بشكله النهائي، قبل اكتماله.

ولذا، فإن الحكمة تقتضي أحياناً أن نقبل النقد بعد أن يرى العمل النور لا قبله حتى لا يوأد مشروع رائد في مهده.

ولنتذكر أن كل نجم لامع نراه على خشبة مسرح الحياة، قد ذاق شيئاً من مرارة ما يحدث وراء الكواليس.

 

Email