إسرائيل وإفشال مؤتمر باريس.. أين المفاجأة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

التفاوض المباشر مع كل طرف عربي على حدة، وعرقلة جهود أي طرف ثالث وسيط لا يأخذ بمفهوم السلام الإسرائيلي، وعدم القبول بمرجعية القانون الدولي وقرارات المنظمات الأممية ذات الصلة، ورفض العودة إلى حدود 1949، ولا سيما بالنسبة لمرتفعات الجولان والضفة الغربية بعامة، والقدس ومنطقة غور الأردن بخاصة، وتجزئة القضايا الخلافية، وفصلها عن بعضها البعض، هذه النقاط جميعها، تعد أبرز ثوابت السياسة التفاوضية الإسرائيلية تجاه تسوية الصراع مع العرب منذ عام 1967.

لا ينصف الحقيقة من يدعي بأن تل أبيب، تحت أي تشكيل حكومي، عمالياً كان أم ليكوديَ أم ائتلافياً، قد تخلت عن شيء من هذه الثوابت أثناء اشتباكها التفاوضي مع أي طرف عربي.

كان مؤتمر مدريد الأول قبل ربع قرن، ذروة البحث عن التسوية الإسرائيلية العربية الشاملة، عبر صيغة دولية، لم تغادر أحداً من المعنيين إلا أشركته. بيد أننا لم نلبث إلا قليلاً، حتى شهدنا انفراط ذلك العقد، وتحول مسار التفاوض الشامل إلى مسارات، والمؤتمر إلى مؤتمرات وخلوات، بعضها علني وبعضها سري. واللافت أن السياسة الفلسطينية اعتبرت أن الاعتراف الإسرائيلي بالفلسطينيين طرفاً مفاوضاً، يعد مكسباً في حد ذاته. وفات أصحاب هذا التكييف، أن إيداع المفاوض الفلسطيني وحيداً بمعزل عن شراكة أرومته القومية، يسلمه إلى مركز غير متكافئ البتة مع الجانب الإسرائيلي، الذي سينفرد به ويقلب كل حجر لأجل الضغط عليه وإملاء ما يريد.

في فقه العلاقات الدولية، لا يصح إطلاق مفهوم التفاوض على ما يجري من تباحث وأخذ ورد بين طرفين غير ندين. الندية وتوازن القوي والردع المتبادل إلى مستويات ملحوظة، شروط جوهرية لإجراء تفاوض، أو حتى حوار يحقق مكاسب مرضية للمنغمسين فيه.

القصد من هذه الجولة الاسترجاعية، تذكير بعض العرب والفلسطينيين، بأن إسرائيل، حين أعطت ظهرها لما عرف مؤخراً بمؤتمر باريس، واعترضت عليه شكلاً وموضوعاً، لم تخدع أحداً. ذلك أن بنيامين نتنياهو وجماعته، ساروا حرفياً على هدي السنن التي اشتقها السلف الحكومي الإسرائيلي غير الصالح منذ عام 1967. وهم برفضهم مسبقاً مداخلات أي أطراف ثالثة، بغض النظر عن ماهيتها، دولاً كانت أم منظمات دولية، كثر عددها أم قل، إنما كرروا الالتزام بما وصفناه بثوابت التفاوض التي تقيد بها أسلافهم.

وعليه، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي، لم يكن مناوراً ولا مراوغاً هذه المرة. وقد زادت حكومته من الشعر بيتاً، عندما صادقت، من خلال لجنة التخطيط والبناء التابعة للبلدية الإسرائيلية في القدس المحتلة، على بناء 82 وحدة استيطانية شمالي زهرة المدائن. حدث ذلك، قبل أن تكتمل عودة الوفود التي شاركت في مؤتمر باريس إلى بلادهم. وليس من قبيل المبالغة، أن يتم النظر إلى هذا الإجراء، وكأنه نوع من التحدي المتبجح لإرادة هذا المؤتمر والمؤتمرين فيه.

الإقرار بهذا الحقائق، لا يعني بالمطلق الانصياع لها أو التأمين عليها كأمر واقع لا فكاك من أحابيله. ما نود قوله، إنه ربما كان ينبغي على السياسة الفلسطينية وظهيرها العربي وغير العربي، الاحتراز، وتضمين بيان باريس، تصريحاً أو تلميحاً، ما يؤكد اللجوء إلى إجراءات عقابية محددة نصاً، إذا ما استمرت إسرائيل في غواية عصيان إرادة المؤتمرين بسياساتها الاستيطانية، التي تقضم الأراضي المرشحة للدولة الفلسطينية. هذا، وإلا، ما معني مؤتمرهم من الأصل؟..

لا مجال لمرور حل الدولتين، ولا لأي حل آخر يجري التفكير فيه للمعضلة الفلسطينية، في ظل ديمومة سياسات الاستيطان الإسرائيلية اللعينة. تجميد هذه السياسات كحد أدني، وتصفيتها، واستئصال نتائجها كلياً كحد أقصى، هي كلمة السر في توسيع فرص نجاح التسوية الفلسطينية. ويطلب المستحيل بعينه، من ينتظر أن يبادر الإسرائيليون إلى التخلي عن هذه السياسات، أو عن أي من ثوابتهم التفاوضية، دون أن يجبروا على ذلك إجباراً.

Email