انتصارات عسكرية وسط شلل سياسي

ت + ت - الحجم الطبيعي

حين بدأ تنظيم داعش يحقق اختراقات كبيرة بعد احتلاله مدينة الموصل العراقية عام 2014، سارعت الولايات المتحدة لتشكيل تحالف دولي واسع، ضم ستين دولة بقيادتها، لمواجهة هذا التنظيم في العراق وسوريا، وشهدنا فعلاً في الأيام الأولى، كثافة في النشاطات الجوية لطائرات من مختلف الدول في سماء العراق وسوريا، وهي تقصف مواقع داعش، إلا أن الصورة اليوم لم تعد كذلك، على الرغم من أن هذا التنظيم لم يُهزم بعد. فلم نعد نسمع عن نشاطات هذا التحالف.

أول ما يلفت النظر، هو التغير الذي طرأ على أولويات جبهات القتال، فحتى وقت قريب، كان تحرير الموصل على رأسها، ليتغير فجأة، وتصبح جبهة الفلوجة في المقام الأول. هذا التغيير جاء بناء على رغبة عراقية، لم تجد الولايات المتحدة أسباباً قوية للاعتراض عليها، خاصة أنها في نهاية المطاف، تخدم الاستراتيجية الأميركية.

فإن ما حدا بها للأخذ بوجهة النظر العراقية، رغم تحفظها، دافع سياسي، يتعلق بدعم موقف رئيس الوزراء، فمعركة الفلوجة أقل تعقيداً من معركة الموصل، والحصول على نصر سريع فيها، يمكن أن يستثمر لصالح الحكومة.

ولكن ذلك لا ينفي أن هناك تراجعاً في العلاقات الأميركية العراقية، وسكوت أميركي على اتساع مساحة النفوذ الإيراني في العراق، ففي هذه المعركة، يلاحظ أن طيران التحالف أقل انشغالاً مما كان عليه الحال في معركة تحرير الرمادي.

ثمة أمر آخر لا يمكن تجاهله، وهو السلبية التي ظهرت بها الولايات المتحدة، في الحرب على داعش في العراق، ففي الوقت الذي يخوض جنودها المعركة ضد داعش في الخطوط الأمامية في الرقة عاصمة التنظيم في سوريا، لا نرى غيابها عن ساحة الفلوجة فحسب، بل عزوفها عن استخدام نفوذها لمنع قوات الحشد الشعبي من المشاركة الفعلية في الحرب، رغم الحساسية المفرطة لاشتراك هذه القوات في المعركة، تاركة العبادي وحكومته يحصدون ما قد يترتب على التجاوزات والانتهاكات التي تقوم بها بعض المليشيات التي تنتمي للحشد.

والتي لم يخفِ بعضها رغبته في الانتقام من المدينة وأهلها، وهي تداعيات تسهم في تصعيد الصراع الطائفي، وتعقيد المشهد السياسي، وتضاعف من الصعوبات أمام التوصل إلى ترتيبات سياسية لإدارة مرحلة ما بعد داعش.

فقد اكتفى بعض المسؤولين الأميركيين بتحذير العبادي من أن تداعيات السيناريوهات المتبعة في الحرب على داعش في الفلوجة، قد تنتج نسخة جديدة من داعش، أطلقوا عليها »داعش 2«.

لا شك أن الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة العراقية في سياق تحرير مدينة الفلوجة، قد صرفت الأنظار بعض الشيء عن الخلافات الكبيرة داخل التحالف الوطني الحاكم، إلا أنه ليس من المتوقع أن تسهم في إزالة هذه الخلافات، ولا تسهم في التخفيف من الاحتقان في الشارع العراقي، خاصة أن الخسائر الكبيرة التي تتكبدها القوات المسلحة العراقية، وقدرات الحكومة المتواضعة على مواجهة تبعاتها، تشكل عاملاً إضافياً للاستياء.

العملية السياسية مصابة بالشلل أكثر من أي وقت مضى، وليس من المتوقع في الأمد القريب، أن يصار إلى التخفيف منها، فالمجلس النيابي غير قادر على الانعقاد بسبب الخلافات العميقة بين الكتل السياسية، وتشهد التحالفات الكبيرة حالة انهيار وتمرد في صفوف نوابها على قياداتهم. حكومة رئيس الوزراء العبادي، تحاصرها مطالب أكبر من قدراتها على تنفيذها..

فالتظاهرات لا تزال مستمرة، وليس من المتوقع أن تتراجع أو يخف هديرها، طالما لم تقدم الحكومة شيئاً ملموساً في سياق الإصلاحات ومحاربة الفساد التي وعدت بها، إذ بعد مرور ما يقرب من السنتين، لم نرَ فاسداً من الكبار قد وضع خلف القضبان، أو أحيل إلى القضاء أو منع من السفر. فالحكومة لا تمتلك من الموارد والوسائل ما يساعدها على مواجهة الأزمة المتفاقمة مع الشارع الغاضب، وإصلاح الأوضاع المتداعية على مختلف الأصعدة وعلى جميع المستويات.

بل قد يتجاوز الأمر ذلك، حين تضطر تحت ضغوط الجهات الدولية المانحة للقروض، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، إلى وقف الدعم الحكومي للخدمات التي تقدمها الدولة، وقد عمدت الحكومة فعلاً إلى فرض تسعيرة جديدة لمراجعة المستشفيات والمراكز الصحية.

التظاهرات المطالبة بالإصلاحات، والتي تحولت لاحقاً إلى اعتصامات، ثم إلى اختراق للمنطقة الخضراء، ولمبنى المجلس النيابي ومكتب رئيس الوزراء، لم تأتِ بنتيجة سوى رفع حرارة المواجهات بين الحكومة والشارع الغاضب. من جانب آخر، وجدت أحزاب الإسلام السياسي، بقيادة حزب الدعوة، نفسها، ملزمة بإعادة النظر بحساباتها واحتواء المعاداة للسياسات التي انتهجتها. إلا أنه من المستبعد أن ترتقي مراجعة الحسابات وتقويم السياسات هذه، إلى مستوى الأحداث، لأنه ليس لها قِبل بذلك، فبعد عشر سنوات من الفشل بتفوق، لم نسمع نقداً ذاتياً..

ولم نشهد ظهور حركات تصحيحية داخل هذه الأحزاب التي تنفرد بإدارة مؤسسات الدولة. فرغم اعتراف رئيس الوزراء السابق، المالكي، بالفشل، إلا أنه لا يزال زعيماً لحزب الدعوة، ولا يزال يتبع نفس النهج الذي دأب عليه طيلة ثماني سنوات من حكمه، كما يُستنتج من تصريحاته.

 

Email