اسم عبد الناصر على أول حاملة طائرات عربية

ت + ت - الحجم الطبيعي

مشاهد عربية أطلت في الذاكرة، وأنا أتابع الاحتفال بتسليم أول حاملة طائرات عربية من فرنسا إلى مصر، الحاملة من طراز «ميسترال» ومن أحدث طراز، وهي إحدى حاملتين للطائرات كان من المقرر أن تشتريهما روسيا من فرنسا، ثم تعقدت الأمور بعد أزمة أوكرانيا، وكان أن تقدمت مصر لشرائهما، ووافق الطرفان على هذا الحل.

كان مثيراً أن يتم إطلاق اسم جمال عبد الناصر على حاملة الطائرات التي تم تسليمها «الثانية ستكون باسم أنور السادات» وأن يقف قائد البحرية الفرنسية في حفل تسليم السفينة الحربية الهائلة ليعلن الاعتزاز بإطلاق اسم واحد من أعظم الزعماء العرب على حاملة الطائرات التي صنعتها فرنسا وأصبحت ضمن الأسطول المصري الذي يتعزز في هذه الفترة بالعديد من الأسلحة، وفي مقدمتها «مع حاملات الطائرات الفرنسية» الغواصات الألمانية من أحدث طراز.

** يقفز في الذاكرة مشهد من ستين عاماً، والبوارج البريطانية والفرنسية ومعها الطائرات تدك مدينتي الصغيرة «بورسعيد» بقنابلها في عدوان 1956 التي شاركت فيه الحكومتان الفرنسية والبريطانية مع إسرائيل لإسقاط حكم جمال عبد الناصر، واستعادة قناة السويس التي كان قد أصدر قرار تأميمها باسم الشعب، وضرب مصر التي كانت السند الرئيسي لثورة الجزائر وللثورة العربية والإفريقية ضد الاستعمار.

صمدت المدينة الصغيرة «بورسعيد» ودفعت الثمن غالياً لكنها لم تستسلم، وصمدت مصر في أصعب الظروف. وانهزم العدوان. وعادت القناة لأهلها للأبد، وبدأ أفول الإمبراطوريات الاستعمارية، وجاء ديجول بعد قليل ليصل إلى الاتفاق على استقلال الجزائر، وبدأ الاحتلال البريطاني يعلن عن خطوة للرحيل من شرق السويس بما فيها دول الخليج العربي.

وتطورت العلاقات ـ بعد ذلك ـ بين مصر وفرنسا. وكان التقدير والاحترام المتبادل في ذروته بين الزعيمين التاريخيين ديجول وعبد الناصر، وعندما وقع عدوان 1967 كان ديجول حاسماً في إدانة العدو الإسرائيلي باعتباره البادئ للعدوان والمتحمل لمسؤوليته.

** مشهد آخر قريب.. بعد 30 يونيو وأميركا تخوض حملة ضد ثورة الشعب التي انحاز لها الجيش لإسقاط حكم الإخوان الفاشي وتضغط بكل قوتها على حلفائها خاصة في أوروبا.

ثم التحرك السريع من الأشقاء في السعودية والإمارات، والمبادرة الحاسمة في دعم مصر، والتفهم السريع من جانب فرنسا وقبل غيرها من دول أوروبا. لتبدأ صفحة جديدة من التعاون في مجالات عديدة، كان واحداً من أهمها هو الجانب العسكري.

في ظل ظروف غاية من الصعوبة بالنسبة لمصر تم عقد عدة صفقات عسكرية مع فرنسا ربما كان أهمها «بالإضافة إلى حاملتي الطائرات» صفقة طائرات رافال. المهم أن بدايات هذا التعاون العسكري المهم مع فرنسا «ومع روسيا أيضاً» كانت تتم في ظل محاولات لحصار مصر وحرمانها من السلاح عقاباً لها على إسقاط حكم الإخوان الفاشي! ومساعدة لعصابات الإرهاب الإخواني ـ الداعشي التي كان «البعض» يراهن على أنها ستنجح في استنزاف الجيش المصري وفي تحول سيناء «أو أجزاء منها» إلى مراكز للإرهاب المدعوم من الخارج كما هو الحال في ليبيا بعد سوريا والعراق واليمن. جهود جبارة تم بذلها لتوفير الحد الضروري من الإمكانات حتى لا يتكرر الوضع بعد 30 يونيو. وحتى استطاع الجيش المصري المرور من فترة الحصار الذي ظنت أميركا أنها ستستطيع ـ من خلاله ـ فرض شروطها وإرجاع الإخوان للسلطة.. وشاء الله وإرادة الشعب والجيش ودعم الأشقاء من الإمارات والسعودية أن يجعلوا ظن أميركا يخيب، وأن تنجو مصر من الخطر الذي كان البعض يتوقعه لها بعد أن تحرم من إمكانات السلاح الأميركي الذي كان يمثل أكثر من 75% من تسليح الجيش المصري! ** خلال عامين تغيرت المعادلات على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية عرف العالم كله أن مصر كانت على حق حيث ثارت على حكم الفاشية الإخوانية وأسقطت بثورة شعبية ساندها الجيش الوطني كعادته. فعلت مصر ذلك بينما كانت أميركا تضغط لكي يكون للإخوان مكان ومكانة، وبينما كانت ترفض أن تصف القتلة من هذه الجماعات بأنهم إرهابيون، وتصر على وصفهم بأنهم «معارضون يستخدمون العنف!» وتترك لعملائها في المنطقة أن يدعموهم بالمال والسلاح وفتح قنوات التلفزيون أمامهم باعتبارهم ديمقراطيين يقاومون الانقلاب!

** مشهد تسليم حاملة الطائرات ليس فقط مشهداً عسكرياً يؤكد قدرة مصر على حماية مياهها الإقليمية وحدودها الدولية وضرب كل تهديد لأمنها الوطني سواء في البحر الأحمر أو حتى منابع النيل، لكنه مشهد سياسي يقول إن أمن الوطن العربي من أمن مصر. ويؤكد أن قرار مصر بهذا الشأن وغيره هو قرار مستقل.

الحديث الآن ينبغي أن يكون عن بناء القوة العربية وعن قدرة العرب على حماية ما يبنونه «بعد أن تمر المحنة الراهنة» فهل تكون هذه فرصة لكي نطرح السؤال المهم، عن ضرورة البدء في برنامج تصنيع عسكري عربي متقدم يبني على ما نملكه الآن في هذا المجال.. وهو ـ بالمناسبة ـ ليس قليلاً، لكنه يحتاج للكثير لكي يفي باحتياجات الأمن القومي العربي الذي سيظل لفترة طويلة يواجه التحديات ويخوض الحروب ضد إرهاب حقير، وضد أطماع إقليمية ودولية، وضد تآمر لن يتوقف، حتى نملك الإمكانات التي ترغمه على ذلك. إنها خواطر يثيرها امتلاك مصر لأول حاملة طائرات عربية وأن تطلق عليها مصر اسم زعيمها الخالد جمال عبد الناصر.

Email