مصر والإمارات والأمن العربي

ت + ت - الحجم الطبيعي

مرة أخرى تواجه مصر التحدي. ومرة أخرى يثبت شعبها أنه قادر على مواجهة التحديات، وأنه يعرف كيف يتوحد خلف قيادته في وقت الأزمات.

حادث «الطائرة المنكوبة» كان يمكن أن يكون مجرد حادث مأساوي لو حدث في دولة أخرى، لكنه في مصر يكتسب أبعاداً أخرى، لأنه يتحول فوراً إلى فصل من معركة طويلة وشاقة تخوضها مصر (شعباً وجيشاً ودولة) ضد إرهاب الإخوان والدواعش، وضد تآمر القوى الخارجية التي فقدت رشدها السياسي مع سقوط حكم الإخوان الفاشي الذي راهنت عليه، ومع ضياع «الجائزة الكبرى» التي كانت تظن أنها حصلت عليها بمساندة «الإخوان» وباقي عصابات الإرهاب، فإذا بمصر تنتفض كلها في 30 يونيو لتنقذ الدولة، وتستعيد الثورة، وتسقط الحكم الإخواني العميل.

جاء حادث «الطائرة المنكوبة» بعد سلسلة من الحوادث. من سقوط الطائرة الروسية، إلى قتل الإيطالي «ريجيني» إلى خطف طائرة مدنية تابعة لشركة مصر للطيران إلى قبرص. لتعطي كلها تأكيدات جديدة لاستهداف مصر، ومحاولة زرع الإحباط في نفوس المصريين، والإصرار على الثأر للهزيمة التي لحقت بتحالف الإخوان مع القوى الأميركية والدولة المعادية للعرب في 30 يونيو.

ولا أظن أن شعب مصر احتقر جماعة مثلما احتقر «الإخوان» وهم يبدون الشماتة في سقوط الطائرة، ويعتبرون ذلك «انتصاراً» لهم على مصر التي لم يعتبروها يوما وطناً لهم، بل كانت (في عيونهم المريضة) مجرد حفنة من تراب عفن. كما وصفها داعية الإرهاب الأساسي سيد قطب!

ولا أظن أن شعب مصر قد تأكد من «استهداف» بلاده كما حدث في هذا الموقف الذي كان يستدعي أن يقف الجميع معه، بعيداً عن أي عداء سياسي، أو أي مصالح ضيقة.

فإذا بشماتة «الإخوان» وأنصارهم تتوافق مع هجمات إعلامية منحطة.. سواء من بعض أدوات الإعلام الغربي التي تعادي الحكم في مصر، أو التي تخدم مصالح أطراف تهتم بتحميل مصر مسؤولية الحادث لمصالح خاصة. أو من بعض القنوات التلفزيونية (العربية للأسف الشديد) التي وضعت نفسها في خدمة «الإخوان».

مأساة هؤلاء جميعا أنهم لا يدركون أن مصر تعرف جيدا كيف تتوحد في مواجهة العدو، وكيف تصمد في مواجهة المؤامرات التي تعرف جيدا أنها لم ولن تتوقف، ما دامت مصر تسعى لبناء قوتها، ولأداء دورها في الدفاع عن أمن العرب الذي يتعرض الآن لأبشع الهجمات التي تستهدف تمزيقه وتدميره وليس فقط تقسيمه!

والتي تريد للحروب الأهلية والصراعات المذهبية أن تستكمل ما بدأته عصابات الإرهاب الإخواني الداعشي من جانب– والعصابات التي تنفذ المخططات الإيرانية وتتبع الحرس «الثوري» الإيراني من جانب آخر. تصمد مصر في وجه المؤامرات، ويتحد شعبها كما تعود، في الأزمات.

وفي هذا التوقيت تأتي زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، لمصر، لتؤكد مرة أخرى عمق العلاقات الأخوية بين القطرين الشقيقين، ولتعيد تذكير الجميع بالموقف الثابت للإمارات الذي يدعم مصر في مواقفها، والذي يؤمن أن استقرار مصر هو الضمانة الأساسية لاستقرار العالم العربي، وأن استعادتها دورها القومي هو الركيزة الأساسية لضمان الأمن العربي.

إنها الزيارة الثانية لسموه للقاهرة خلال بضعة أسابيع، واللافت هنا أن سموه والوفد رفيع المستوى الذي رافقه، لم يكتفوا بنقل تعازي دولة الإمارات وشعبها وقائدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، لمصر في ضحايا حادث الطائرة، ولا الإعلان عن دعمهم لمصر فيما تواجهه من تحديات، وإنما كان التركيز أيضا على محورين أساسيين:

المحور الأول: هو تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية، وتحقيق المزيد من التعاون والتنسيق الاستراتيجي في مواجهة التحديات المختلفة، وفي مقدمتها، كما أشار البيان المشترك عن الحادث، مكافحة الإرهاب والفكر المتطرف.

المحور الثاني: هو توافق رؤى الجانبين على ضرورة التوصل لحلول سياسية للأزمات التي تشهدها المنطقة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن البيان وضع القضية الفلسطينية في مقدمة هذه القضايا مع سوريا واليمن وليبيا، ويأتي هذا بعد المبادرة التي طرحها مؤخرا الرئيس السيسي بشأن القضية الفلسطينية والتي تعيد الاهتمام بقضية فلسطين التي كادت تتوارى في ظل أزمات المنطقة، والتي تقول للعالم إنها ستظل قضية مركزية للعرب، وستظل مفتاحاً للحرب والسلام في المنطقة.

وتبقى العلاقات بين مصر والإمارات نموذجاً يحتذى بين أشقاء تجمعهم العروبة على الخير، وتقويهم في مواجهة الأعداء، وتأتي التحديات فتؤكد مصر (شعباً وجيشاً وقيادة) أن مصر لن تسقط ولن تتخلى عن دورها العربي مهما كانت الضغوط، وتأتي مواقف الإمارات (وآخرها زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، المهمة) لتؤكد أن التحالف العربي الصامد في وجه المؤامرة منذ 30 يونيو سوف يستمر حتى يهزم مخططات الأعداء.

ويقضي على الإرهاب، ويوقف من يصدرون الحروب المذهبية عند حدهم، ويفرض الحلول السياسية على أوطان عربية دمرتها المؤامرات، وحتى يجبر الطامعين من القوى الإقليمية أو الدولية على قبول الحقيقة وترك الأرض العربية لأبنائها يبنون مستقبلهم الذي يستحقونه. مصر أكثر صموداً من أي وقت مضى. والتحالف العربي يزداد قوة.

والعلاقات بين مصر والإمارات تقدم نموذجاً لأشقاء يدركون حجم المخاطر التي تحيط بالمنطقة، ويؤمنون أن القوة العربية وحدها هي القادرة على حماية الأمن والاستقرار في العالم العربي واستئصال الإرهاب وقطع الأيدي الخارجية التي تريد العبث بالأمن العربي وتوسيع نفوذها على حساب العرب.

 القوة العربية وحدها هي التي تفرض السلام، وتحالف الأشقاء في مواجهة التحديات أمر لا غنى عنه، وأي دعم لمصر الآن هو دعم لاستقرار الوطن العربي، وما بين مصر والإمارات سيبقى نموذجاً يحتذى لمن يريدون بالفعل أن يصنعوا المستقبل العربي، وأن يوفروا له الحماية والأمان.

Email