بين زمنين

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تعايش الأحداث عن قرب في زمنين مختلفين، ولا أقول في عهدين، ترى العجب، الصور تتبدل، وكذلك «البراويز» التي تؤطرها، وينتقل المشهد من خلفية إلى خلفيات متغيرة دون أن تقدر على عدها وحصرها.

كان هناك أناس يحملون رايات الوطنية في دول الربيع العربي الذي أنبت دماً وأشلاء ودماراً بدلاً من أن ينبت ياسمين وزهوراً، وعرفتهم قبل عام 2011، وأعجبتني تلك «اليافطات» التي يرفعونها، من مصر إلى تونس إلى ليبيا، ومن العراق إلى اليمن إلى سوريا، وفى مناسبات كثيرة سمعتهم في مؤتمرات ومنتديات.

وكان حسهم الوطني عالياً، كانوا يطرحون البناء والقضاء على الفساد، يريدون رفعة أوطانهم وازدهارها، ويرفضون التحزب والتطرف والتشدد، ويقاومون الأفكار القائمة على الإقصاء والتفرد بسلطة أو مكانة مؤثرة أو تحقيق مكاسب شخصية، ويحاربون التدخل الأجنبي في شؤون دولهم، خاصة في مجال منظمات المجتمع المدني، ومحاولات «المانحين» المشبوهين في النفاد إليها واستغلالها.

كانوا مثلاً للوطنية، وقادة للرأي العام في دولهم، فوثق فيهم الناس، كل واحد منهم في مجاله، وأغلب من أعرفهم كانوا في الصحافة والإعلام وحقوق الإنسان والتشريعات القانونية وهي أكثر الفئات والمهن استهدافاً من المنظمات الأجنبية، وتولوا في فترة صعبة قيادة المؤسسات المدنية الممثلة لتلك الفئات، وهي فئات مؤثرة بحق، ويصعب حجب صوتها، وتصادموا مع سلطات دولهم، وللأمانة كانت تلك السلطات رؤوفة بهم، فاقصى ما فعلته معهم كان التضييق، ولكنها لم تمس حريتهم أو سلامتهم البدنية في الغالب.

وبعد الربيع، انقلبت الصور، وانعكست المبادئ، وتبدلت الملامح، وضاعت تلك النبرات الحنونة تجاه الأوطان.

Email