أقول لكم

طلة جديدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هذه طلة جديدة، من نافذة تركتها قبل عشر سنوات علّني أعود بعد شهر أو اثنين، ولكن المسير طال، وتوقفت في محطات هنا وهناك، وقد شاء مدبر الأمور أن أعود من جديد في ضيافة «البيان»، تلبية لدعوة كريمة، وأتمنى ألا أكون ثقيلاً على أهلها وقرائها.

لن أطيل المقدمة، ولن أتفلسف في تقديم نفسي، فهناك مَن لا يزال يتذكرني، وهناك من لا يعرف عني شيئاً، ولهؤلاء وهؤلاء أقول إنني ما دمت قادراً على حمل القلم مع بضع ورقات سأكتب، وأؤدي واجباً حملته طوال أربعة عقود من الزمان، فهذه أمانة، العمل في الصحافة أمانة، وكتابة المقال اليومي أمانة، وإيصال الرأي أمانة، وحمل هموم الأوطان أمانة، فالكاتب لا يكتب لنفسه، والصحافي لا يعمل من أجل نشر اسمه، هي أدوار قدر لهما أن يقوما بها، والإعلام لمن لا يعرف لم يكن في يوم من الأيام جاهاً ومالاً وشهرة، ولكنه مواجهة تبدأ من اليوم الأول ولا تنتهي إلا مع انقطاع النفس، الإعلام حرب لا تتوقف، وأول حروب الإعلامي تكون مع نفسه، وأكبرها مع الذين لا يريدون الخير لوطنه، فحروب الجيوش تتوقف، وحروب الإعلام مستمرة ومتصلة، خاصة في البلاد التي ما زالت تبني وتحلم بالارتقاء، لا يموت الإعلام إلا في الدول التي تموت طموحاتها، ولا يُهمش الإعلام إلا في حكم الذين يهمشون شعوبهم.

لنلتفت حولنا، وننظر إلى دور الإعلام الحقيقي، ونحسب كم من الحروب التي نخوضها يومياً ضد الفقر، فهناك حرب مستمرة منذ أن كان هناك قلم، وكانت هناك ورقة، وضد الجهل يخوض الإعلام معركة لا تهدأ أبداً، والجهل أنواع، فهناك جهل ناتج عن الأمية والتمييز، وهناك جهل العارفين والعلماء، في خروجهم على الواقع والمألوف، وفي تشددهم، وفي تطرفهم، وفي تحريضهم، وفي إرهابهم الفكري، وفي كرههم الاستقرار والمفاهيم وثبات العقائد، وهناك حروب ضد الأطماع يواجهها الإعلام، والطمع يبدأ عند ذلك الذي لا يكتفي بما قدره الله له من رزق، فيفسد في الأرض، وينشر الرشوة، والابتزاز، وسرقة حقوق غيره، وهناك طمع الأعداء المتربصين، أولئك الذين يطمعون في بسط نفوذهم على الآخرين، سواء أكان نفوذاً سياسياً أم اقتصادياً أم عقائدياً.

أقول لكم، هذا الذي ترونه حولكم، أقصد على هذه الأرض من بلاد العرب، ما كان ليتحقق لو لم تكن القيادة الرشيدة مؤمنة بدور الإعلام، فكان شريكاً في الانطلاق، ومساهماً في البناء، وعيناً فاحصة في الأداء، تركت له مساحات متسعة ليعمل دونما خوف أو ارتعاش، ولولا ذلك ما قدر لهذا القلم أن يرافقني طوال 40 عاماً، ليحط معي اليوم في مقام جديد على صفحات «البيان» حتى «أقول لكم» شيئاً قد ينفع.

Email