تبليس الأباليس!

ت + ت - الحجم الطبيعي

في عام 331 ق. م. اصطف قرابة 35000 جندي يوناني بقيادة الإسكندر بمواجهة نصف مليون فارسي مدججين بمختلف الأسلحة بقيادة داريوش، حينها تقدّم الإسكندر وصرخ بالفارسية لأعدائه: «من كان على اتفاقه معنا فليعتزل القتال وله مكافأته التي وعدناه بها»، ثم عاد لصفوف جيشه الصغير بينما بدأت الهمهمات في جيش الفرس ثم اندلعت الاتهامات بالخيانة، وبدأت المصادمات بينهم حتى إذا انكسرت لُحمة الجيش وتفرّقت نفوسهم انقضّ الإسكندر على قلب الجيش واخترقه سريعاً ليصل إلى داريوش الذي هرب تاركاً جنوده خلفه ولتسقط بحيلة «التخوين» تلك مملكة الاخمينيين للأبد!.

عندما تستعصى هزيمة الجيوش الظافرة على الأعداء يكون اللجوء إلى خبراء بث الفتن وأساتذة شق الصف، وهؤلاء أحياناً يكونون خونة مأجورين، وأحياناً يكونون سُذّجاً لكنهم «ماكلين مقلب في حالهم»، لكن يدرك العدو طيشهم ويعلم ثاراتهم المبيّتة وأحقادهم التي لا ينسونها كعادة الصغار، صغار النفوس والعقول لا الأعمار، فيعمل على استغلالهم من خلف ستار لبث رسائل التشكيك والتباهي باكتشاف مؤامرة خفيت على العالين إلا على السيد المفكر الاستراتيجي!

قبل أيام خرج علينا عبدالله النفيسي بطامّة من طوامّه التي اعتدنا عليها ليتهم الإمارات بأنها تُنسّق مع أميركا والحوثيين ضد شقيقتها السعودية، حقيقة لا أدري ماذا أفطر ذاك الصباح وجعله يخرج بتلك الفضيحة، هل يمكن لعاقل أن يتفوّه بمثل هذا والإمارات قد سالت دماء شهدائها أنهاراً فوق جبال اليمن ووهاده، وهم يتقدمون الصفوف، وحيثما كانت شقيقتها الكبرى وقفت معها وقوف الجبال الراسخة وسطّرت للتاريخ ملاحم ببيض فِعالها عندما لم نرَ من بطولات النفيسي إلا الخطب السمجة وادعاء معرفة مالا يُعرَف!

نعلم تاريخ الرجل السيئ ضد بلادنا، ولن ننسى إساءته لرموزنا في مروقٍ وضيع عن المروءة وفجور لا يُعقَل في الخصومة، فحيثما أتى ذكر الإمارات ركبه «ألف عفريت» ويبدأ بتلفيق التهم التي لا يجرؤ أن يذكر مصدرها حتى لا ينكشف أمام العامة، وكم هو غريب أن يتشدّق في لقاءاته بذكر آيات القرآن الكريم ولكنه لا يمر بآية: «ولا يجرمنكم شنآنُ قومٍ على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»، وإذا تناسى فلن ننسى ما نقله الأستاذ علي العميم عندما «سوّغ» النفيسي في محاضرة ألقاها في جمعية الاجتماعيين الكويتيين عام 1974 «احتلال» إيران لجزر الإمارات الثلاث لدرجة أن مجلة «الإخاء» الصادرة عن دار «اطلاعات» في طهران نشرت المحاضرة في عددها الصادر في 22/6/1974 احتفاءً بها!

عندما قال نعوم تشومسكي إنه «من أجل أن تتمكن من السيطرة على شعب فاجعله يعتقد أنه هو سبب تخلفه»، بدا واضحاً أنّ التعبير يصلح لآخرين كهذا الأخ الذي يريد إقناع الجميع أنه المتنبئ الأوحد بالمستقبل، ولا ينفك من التحذير من عظائم الأمور، وبأنه قد فتحت له أبواب الغيب ليرى الشر القادم، وأنْ لا نجاة إلا بطروحاته المتقلبة وذاك ما يُفسّر تبعاً لمقولة تشومسكي ما يجده الرجل من شعبية لدى قطاعات من العوام، حيث لا يحركهم الفكر المتزن ولكن تُجفلهم تهويشة العصا والترهيب بـ«البعبع» الآتي لإهلاكهم والذي لن ينقذهم منه سوى ما يقوله هو، ولا يكف عن ذكر «من خلال دراساتي وقراءتي للأوضاع» وهي الدراسات التي كُلّلت بالدكتوراه في تأثير الشيعة في التاريخ السياسي بالعراق وبزيارات يفتخر بها للخميني وبقية ملالي قم، لكنها دراسات واستقراءات «حولاء»، فبدلاً من أن تقوده تلك لكشف عوار المخطط الإيراني الطائفي والذي يعرفه آحاد الطلبة منذ قيام الدولة الصفوية، إذا به يحتفي بالثورة الإيرانية ويخرج بمقال «تربت يداك يا خميني» قبل أن يكتشف سوءتهم بعد سنين طويلة ويستفيق!.

أي مفكر استراتيجي يحترم عقول الناس يخرج ليقول أن ما سُمي بالربيع العربي كان «حركة عفوية» رغم انكشاف كل الأوراق عن كبر حجم المؤامرة التي خدعت بعض العوام بأحداث أُريد لها أن تبدو ارتجالية غير مفتعلة، أقول العوام يا سيادة المفكر الاستراتيجي، فما عُذرك أنت؟ ولماذا لم تعتذر بعد أن أصبح الجميع يعرف هول مؤامرة الثورات ومخطط الشرق الأوسط الجديد ونظرية الدومينو التي حلم بها الأميركان وأعوانهم من أتباع مرشد قُم ومرشد المقطّم؟ أم أنك تراهن أن الناس سينسون كما نسوا أنك تقلبت بين الميل لإيران حيناً وللقوميين الماركسيين حيناً وللإخوان أحياناً أكثر!

لماذا تحاول مستميتاً شيطنة الإمارات و«تبليسها» ما دمت أنت من أباليس البشر الذين يتقلبون كالحرباء، ولماذا تلهج ليل نهار بتمجيد الأتراك وتتغنّى بحكم العثمانيين متغافلاً ويبدو ذاك من قلة قراءة في أوراق التاريخ أن حكم الأتراك للعرب كان قروناً من الجهل والظلم والقهر وفرض التبعية والمبالغة في إظهار الفوقية، ومتجاهلاً وربما ذاك بسبب ميولك الإخوانية عن دور تركيا الرئيسي في المخطط الذي كانت تُحاك خيوطه من سدنة البيت الأبيض لإسقاط الحكومات العربية المدنية واستبدالها بمعسكرين فقط: الأول يدين بالولاء للولي الفقيه في قُم، والآخر يتبع السلطان التركي ذي الجذور الإخوانية، أقول متجاهلاً لا جاهلاً لأنه لا يعقل أن يكون «مفكر استراتيجي» كم يُحب أن يُلقّب وتفوت عليه هذه القراءة الواضحة للأحداث، والتي يقول عنها مثلنا العامي الطريف «خطٍ تقراه الياعدة»!

النفيسي يمارس دور الوصاية على الناس بشكلٍ فج وبطروحات مهلهلة، ولا يبدو إلا كمن يحاول إقناعك بأنه مادام «دهن العود» أجمل رائحة من الحليب فلا بد أن تشربه بدلاً منه، ويحاول الظهور بمظهر ناشد الخير لكنه لا يكل من سوق الأكاذيب على الإمارات في كل موقف، ولكن لن تحجب أكاذيبه الحقيقة ولن تمنع تلفيقاته نور الصباح و«عيال زايد» هم الرجال الذين تتمناهم المواقف «الكايدة» ويفخر بهم الرفيق ويرفع عقاله لهم المستغيث، وإن ظنّ تافهٌ ما بأنه الإسكندر فإنّهم «أهل الطايلات» وليس جنود داريوش الحمقى.

Email