هل تعود الحياة إلى مشروع «القوة العربية المشتركة»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز أثناء زيارته القاهرة عن «القوة العربية المشتركة» جاء مؤشراً لتقدم حقيقي في حل الخلافات وإزالة المعوقات التي أخرت إتمام هذا الإنجاز الذي تزداد حاجة الأمة إليه يوما بعد يوم.

أمامنا طريق طويل لتسوية الموقف في مناطق الاشتعال الحالية في المنطقة العربية.

بدءاً من اليمن وسوريا إلى ليبيا ولبنان، صحيح أن جهداً هائلاً بذل للوصول إلى التسويات السياسية المطلوبة، وأن تحقيق شيء من التهدئة على الجانب العسكري يفتح الباب أمام الحوار المطلوب للوصول إلى حقن الدماء وإنقاذ هذه الشعوب الشقيقة من الدمار، والتفرغ لاستئصال جذور الإرهاب قبل أن تتوطن على الأرض العربية.

لكن أي نظرة واقعية عل الخريطة العربية وما يجري على أرضنا من صراعات، ومما يحيط بنا من مخاطر.

لا بد أن تؤكد لنا أن أمامنا فترة صعبة بكل المقاييس، وأن علينا أن نستعد، وأن نوحد صفوفنا ونحشد قوانا بقدر المستطاع لمواجهة هذه المخاطر بعد أن تعلمنا الدرس وأدركنا أن الارتكان على قوة أجنبية لا يفيد، وأن قوانا الذاتية وحدها هي القادرة على حماية أمننا وتحقيق الاستقرار على أرضنا.

القوى الإقليمية غير العربية لن تتراجع عن أطماعها في مد نفوذها وتوسيع مجال سيطرتها في المنطقة.

وما تفعله إيران في هذا السبيل ليس بحاجة لتأكيد جديد، أما إسرائيل فلم تعد تكتفي بقتل آمال الفلسطينيين في دولتهم، بل أصبحت تمد مخططاتها إلى احتلال المزيد من الأرض السورية.. والتوغل في جنوب لبنان، بالإضافة إلى سعيها لتمزيق الدول العربية واختراق أمنها.

والدول الكبرى لن تتعامل مع مشاكل المنطقة إلا بالقدر الذي يحقق مصالحها فقط. وكلها مشغول بقضايا أساسية لا تجعل من منطقتنا أولوية قصوى للعديد من هذه القوى. كما كان الأمر قبل سنوات.

أميركا بالذات، وبعد إهمال طويل لمشاكل المنطقة التي كانت سببا في الكثير منها، تبدو الآن أمام منعطف خطير مع انتخابات رئاسية أبرز عناوينها فقدان المواطن الأميركي الثقة في «المؤسسة» التي تتولى إدارة البلاد، وبرز مرشحون من خارج هذه المؤسسة مثل الجمهوري ترامب أو المرشح السياسي الديمقراطي ساندرز.

وهو ما يهدد أميركا بفترة من الارتباك الخطير. خاصة مع ازدياد مخاطر الإرهاب، وتزايد التحديات الاقتصادية، وسخونة الموقف في المنطقة التي كانت أميركا تتحسب لها منذ زمن وهي القارة الآسيوية ليس فقط بتصاعد النزاع الهندي- الباكستاني مرة أخرى، لكن بمحاولة الصين إبراز قوتها العسكرية لأول مرة، وما يثيره ذلك من مخاوف في المنطقة كلها.

كل هذه الأمور تعني غياباً أميركياً عن التأثير الحقيقي في الشرق الأوسط في وقت تتزايد فيه المخاطر من القوى الإقليمية وفي مقدمتها إيران، ومن عصابات الإرهاب التي تنشر الدمار، وتتحالف مع إيران في جر المنطقة لمخاطر الحروب المذهبية والطائفية.

على الجانب الآخر تدرك كل من روسيا وأوروبا حجم المخاطر في المنطقة بحكم القرب منها، وبحكم تأثيرها بما يحدث فيها، وبحكم تهديد عصابات الإرهاب أمانها، وتوجه مواطنين أوروبيين أو من التابعين لروسيا للتدريب في صفوف داعش والعراق، ثم العودة لتكون قنابل موقوتة أو خلايا نائمة أو فاعلة.

ومع ذلك فتحرك أوروبا محدود بحكم ارتباطه بالسياسة الأميركية الغائبة، وتحرك الروس مرتبط بالحفاظ على مصالحهم، وبعدم تكرار مأساتهم في أفغانستان بأي حال من الأحوال.

ويبقى الأمر مرهوناً بالقوة الذاتية العربية القادرة على التصدي للمخاطر الخارجية، واستئصال جذور الإرهاب من أرضها، وتحقيق الظروف التي تجعل مجتمعاتها قادرة على استيعاب تطلعات شعوبها في التقدم والنهضة وبناء الدولة الوطنية الحديثة بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل قدرتها على تحقيق نفسها بالقوة العسكرية والمدنية، وبالحرية والعدالة وسعادة الإنسان العربي.

في ظل كل هذه الظروف التي تمر بها المنطقة، وبعد ما مررنا به في السنوات القليلة الماضية من اختبارات صعبة أثبتت أن قوتنا الذاتية هي الحل.. كان ظهور مشروع «القوة العربية المشتركة» بشير أمل في تحقيق إنجاز عربي طال انتظاره، لكن ما واجهه المشروع من عقبات عطلت تنفيذه كان إشارة سلبية للغاية، رغم محاولات ناجحة في تحقيق تحالفات بين أطراف محدودة مثل التحالف العربي لإنقاذ اليمن بقيادة السعودية وبدور بارز لدولة الإمارات العربية المتحدة.

الآن يتحدث العاهل السعودي مرة أخرى عن «القوة العربية المشتركة» ويأتي حديثه أثناء زيارته لمصر، بما يعني اتفاق الطرفين على تذليل العقبات أمام هذه الخطوة المهمة التي لم يعد منها مفر بعد أن أدرك الجميع حجم المخاطر التي يتعرض لها العرب، والتي لن يتصدى لها غيرهم.

Email