الحضور العربي بين تحديات هائلة وتسويات محتملة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي كانت فيه القاهرة تستقبل العاهل السعودي الملك سلمان في أول زيارة له بعد توليه عرش المملكة.. كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يلتقي وزراء خارجية دول مجلس التعاون، استعداداً للزيارة القريبة للرئيس الأميركي التي قد تكون الأخيرة له قبيل انتهاء ولايته الثانية والأخيرة، والتي سيحاول فيها بلا شك إزالة الآثار السلبية لحواره الشهير مع مجلة "أتلانتك" حول سياسات بلاده أثناء رئاسته تجاه الدول العربية.

ملاحظة أخرى: أن زيارة العاهل السعودي للقاهرة، قد ترافقت معها زيارة أخرى لميخائيل بوغدانوف مبعوث الرئيس الروسي لمنطقة الشرق الأوسط، بحث فيها مع المسؤولين المصريين موضوعات عديدة، وإن كان التركيز على القضية السورية في محاولة لدفع الأوضاع نحو الحل السلمي أهمها. ملاحظة ثالثة: أن ذلك ترافق أيضاً مع الإعلان عن أن الرئيس الفرنسي أولاند سيسبق الرئيس الأميركي في زيارة للمنطقة، حيث سيزور لبنان ومصر والأردن خلال الأسبوع القادم.

ملاحظة رابعة: رغم ما يثار حول "أزمة" التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية بمصر، فإن وزير الخارجية الأميركي استقبل وزير الخارجية المصري في واشنطن، ووقف ليشيد علناً بدور مصر في مكافحة الإرهاب، وليؤكد على دورها المحوري في المنطقة وعلى ضرورة تعزيز التعاون الأميركي معها.

ثم رئيس مجلس النواب الأميركي إلى القاهرة مع عدد من نواب المجلس ليكرر نفس المعاني وقبله كان السناتور البارز ليندسي جراهام في القاهرة، يؤكد على ضرورة دعم حكم الرئيس السيسي اقتصاديا وعسكريا، ويعلن أنه سيطلب من البنتاغون الموافقة على طلبات مصر تزويدها بمعدات عسكرية جديدة.

ملاحظة خامسة: في المقابل.. نرى إيران وهي تؤكد "بصورة رسمية" تواجدها في سوريا، وتواصل إرسال سفن الأسلحة إلى الخارجين على الشرعية في اليمن.

يحدث هذا كله.. بينما الجهود تستمر للوصول إلى تسوية نهائية للصراع في اليمن في مؤتمر الكويت، وكذلك للمضي في جهود وضع الترتيبات للحل السياسي في سوريا، ولإنقاذ الوضع في ليبيا قبل انهيار حكومة التوافق والانزلاق إلى الفوضى التي لم تقتصر على ليبيا أو دول الجوار، بل ستمتد آثارها إلى الجانب الآخر من المتوسط لتفشي خلايا الدواعش في أوروبا.

الكل يتحرك في هذه المرحلة وفقا لحساباته:

الولايات المتحدة الأميركية تحاول ترميم ما فعلته سياسات أوباما وتصريحاته!! لكنها تدرك أن المهمة صعبة.. في ظل رئيس لا يطلب إلا حسن الختام قبل نهاية ولايته، وفي ظل انتخابات رئاسية تعد ـ في كل الأحوال ـ بأن الغياب الأميركي سيطول!!

وأوروبا تدرك حجم المخاطر التي تهددها. ولا تملك رفاهية الانسحاب من المنطقة بعد أن أشعلت النار فيها كما فعلت السياسة الأميركية، فالنيران التي كانت على حدودها أصبحت في قلبها.. وخلايا الإرهاب النائمة تتزايد، والعائدون من سوريا أو ليبيا أو العراق بعد التدريب على أيدي الدواعش يقلقون مضاجع كل الحكومات بالإضافة إلى ما تثيره هجرة مئات الألوف من مشاكل وما تخلقه من أزمات.

الرئيس الفرنسي قادم ومعه كل هذه الهموم، ومعه أيضا محاولة يائسة كان قد أطلقها لإعادة إحياء المفاوضات حول القضية الفلسطينية بعد إعلان أميركا فشلها ووقف أي محاولات بهذا الشأن، لكنه يعرف أنه لا مكان ـ في هذه الظروف ـ لمثل هذه المبادرات، ولهذا يركز على دعم دول الطوق "لبنان ومصر والأردن" حتى لا تزداد الأوضاع سوءاً.

أما روسيا التي أصبحت محور التحرك في الملف السوري فهي تدرك أن المهمة ليست سهلة من أجل الوصول للحل السياسي المطلوب، وهي تراهن على قدرتها على عقد الصفقات، وعلى أن هناك عدوا مشتركا هو الجماعات الإرهابية بقيادة داعش، لن تجد الأطراف الفاعلة بدا من الاتفاق للتفرغ لمواجهة هذا العدو.

وسط هذا كله يأتي اللقاء المصري السعودي ليجسد حضورا عربيا لابد منه.. سواء لمواجهة التحديات الهائلة، أو للتعامل مع التسويات المحتملة.

وبعيدا عن التفاصيل، فإن الأساس هو: إن ما بدأ بإنقاذ مصر من قبضة الحكم الفاشي الإخواني، بثورة شعبها وبدعم الأشقاء في السعودية والإمارات في الوقت الصعب.. ينبغي ألا ينتهي إلا بإنقاذ اليمن وسوريا وليبيا من عصابات الإرهاب ومن تدخل إيران أو غيرها من القوى الأجنبية واستعادة الحضور العربي بعد طول الغياب. وإنهاء كل مخططات التقسيم والحفاظ على الدول العربية من الوقوع في جحيم الحروب الأهلية.

بالطبع ستكون هناك ـ كما قلنا مرارا ـ خلافات في التفاصيل. ولكن فلنتذكر فقط أننا لو كنا قد تركنا الأهداف الأساسية ووقفنا عند التفاصيل.. لكانت مصر ـ لا قدر الله ـ مازالت تحت حكم الفاشية الإخوانية.. ولكان الحرس الوطني الإيراني يتجول عند باب المندب.. ولكانت عواصم عربية أخرى قد ارتفعت فيها أعلام إيران ورايات داعش!!

Email