في إصلاح ما أفسدته سياسات الآخرين

ت + ت - الحجم الطبيعي

رغم أن التحقيقات تقول - حتى الآن - إن الإرهاب الذي ضرب بلجيكا هو صناعة أوروبية بامتياز.. بمعنى أن من قاموا بها، وبتفجيرات باريس، قبلها، هم مواطنون أوروبيون ضلوا طريقهم لأسباب عدة ولظروف ثقافية واجتماعية واقتصادية يعيشون في ظلها..

بالرغم من ذلك فنحن لسنا بعيدين عما حدث لأسباب عدة، أولها بالطبع أن المتهمين مسلمون، وأنهم ينتمون لداعش، وأن محاولات تصوير «داعش» على أنها تمثل الإسلام تزداد مع كل موجة إرهابية. وكذلك محاولة ربط هذا الإرهاب المنحط بالشرق الأوسط.. أو بالمنطقة العربية على وجه الخصوص.

ورغم أن هذه الموجة الإرهابية جاءت لتؤكد أن الإرهاب عالمي، وأن أحداً لن يكون بعيداً عنه، فإن علينا أن نتذكر أن الرئيس الأميركي كان قبل أيام يزهو بأن بلاده بعيدة عن الإرهاب، ويؤكد أن تجربته في الحكم أكدت له أن الشرق الأوسط أمامه سنوات طويلة من الاقتتال والحروب الأهلية، ويوجه أصابع الاتهام للعرب، بينما يواصل الغزل لإيران التي ظلت على مدى ما يقرب من أربعة عقود ترفع شعار «الموت لأميركا» .

لا نقول ذلك من باب التهرب من المسؤولية عما حدث لنا في عالمنا العربي، بل بالعكس.. نقول ذلك تحملاً للمسؤولية وبحثاً عن الطريق الصحيح لمواجهة الوضع الكارثي الذي يهدد المنطقة والعالم، والذي حذرنا منه مراراً.

وتصور الكثيرون منا أن التحالف الذي وصل أحياناً لإعطاء 99% من أوراق اللعبة لأميركا.. يمكن أن يكون طريقنا لمواجهة الأخطار وضمان الاستقرار ليس تهرباً من المسؤولية، ولكن تحملاً لها، وليس هروباً من الحقائق ولكن مواجهة لها. هذا ما نفعله من قبل الأحداث الأخيرة في أوروبا.

حقيقة الأمر الآن.. أن العرب أدركوا أخيراً أنهم وحدهم مسؤولون عن حاضرهم ومستقبلهم، وأنهم لم يكونوا عبئاً على أميركا أو ركاباً تتحمل أميركا تكلفتهم «كما زعم أوباما»، بل كانوا هم من يدفعون ثمن أخطاء السياسة الأميركية وانحيازاتها ضدهم وتعاونها مع أعدائهم!

تشجيع الإرهاب باسم الدين لم يكن أبداً سياسة معتمدة لأي دولة عربية مهما اختلفت السياسات أو تفرقت السبل، لكنه كان سياسة رسمية للقوى غير العربية في المنطقة.. بدءاً من إسرائيل، وحتى إيران.

وكان طريقاً اعتمدته واشنطن منذ أن فرضت على حلفائها أن يدفعوا بشباب العرب إلى «الجهاد» باسم الإسلام تحت رعاية المخابرات الأميركية في حرب أفغانستان، وحتى كارثة تدمير العراق التي تركت وراءها «حتى لا ننسى» مليون ضحية من أبناء العراق، ثم سلمت مصيره لإيران وعملائها! ووصولاً إلى «داعش» لتخلف «القاعدة» و«الإخوان» أو ترافقهما في الجهود لتدمير العالم العربي، وزرع الفتنة المذهبية.

القوى العربية وحدها هي التي كانت وراء إنقاذ مصر حين ثار شعبها في 30 يونيو، وانحاز جيشها لإرادة الشعب، ووقفت الإرادة العربية في مقدمتها السعودية والإمارات تخوض حرباً حقيقية ضد سياسة أميركية عمياء ساندت فاشية «الإخوان» حتى الرمق الأخير، وما زالت - حتى الآن - تحمل مرارة الهزيمة وتحاول الثأر لها!

والقوة العربية وحدها أنقذت اليمن من كارثة الخضوع لمطامع إيران والخروج عن الصف العربي. وهي التي فتحت الباب لمصالحة وطنية شاملة تنهي الاقتتال الأهلي، وتضع كل الأطراف اليمنية أمام مسؤولياتها، وتفتح الباب لإعادة بناء اليمن بعد ما لحقه من دمار.

ولعلنا في المباحثات المقبلة التي ستنعقد في الكويت في 18 أبريل المقبل نشهد نهاية المأساة واكتمال التوافق على الحل الذي يحفظ لليمن وحدته الوطنية، وينهي الأوهام الإيرانية في أن تجد لها موضع قدم هناك، أو أن تزرع ألغام الفتنة المذهبية التي تعودت عليها، أو أن تتصور أن الرضا الأميركي سوف يقودها إلى مد نفوذها حتى باب المندب!

والقوة العربية هي وحدها القادرة على إنقاذ الموقف في سوريا وفي ليبيا، بعد أن تسببت السياسات الخارجية من خارج المنطقة في الوضع المأساوي هنا.. سواء بالمسؤولية في بناء «داعش» أو دعم غيرها من التنظيمات التي ترتدي زوراً ثوب الإسلام مثل «الإخوان» أو بدفع الحلفاء الأوروبيين للسير في الطريق نفسه.

أو باعتماد سياسة تفكيك الدولة في ليبيا كما سبق أن حدث في العراق، أو بالتصور أن الفوضى يمكن أن تقود إلى استقرار، أو أن هناك إرهاباً متطرفاً وآخر معتدلاً، أو أن وحش الإرهاب يمكن زرعه ثم حصاره.. وكأن دروس الماضي لا قيمة لها!

أمامنا الآن - وبعيداً عن التفاصيل - حقائق عدة تقول:

إننا لسنا صناع الإرهاب بل نحن ضحاياه، ونحن أول من نقاتله لأننا نحن الذين دفعنا الثمن.. بينما من زرعوه بيننا ودعموه من القوى الإقليمية والدولية مازالوا - للأسف الشديد - يتصورون أن ذلك سيحقق مصالحهم!

بعد أحداث بلجيكا «وقبلها أحداث باريس» تعرف أوروبا والعالم جيداً أن مكافحة الإرهاب قضية عالمية لا بد أن تتكاتف كل الدول لمواجهته. ونعرف نحن أن الإرهاب الذي نقاومه مع العالم كله ليس عربياً أو إسلامياً. إنه الإرهاب الذي قاد إيران وإسرائيل والدواعش، ليكونوا حلفاً واحداً نقاومه - وإن اختلفت الأسماء والظروف - منذ نصف قرن.. وسنظل نقاومه!

Email