مهمة الإمارات أن تصنع الأمل

ت + ت - الحجم الطبيعي

ربما من شاهد – مثلي – البدايات الصعبة، والظروف الأكثر صعوبة التي اجتازتها دولة الإمارات وهي تبني نفسها من نقطة الصفر تقريباً، يدرك العنصر الأهم الذي صاحب هذه التجربة حتى اليوم وكان سر نجاحها، وهو عنصر قبول التحدي والانتصار عليه.

لم تكن البداية سهلة، كانت الأمة تمر بمرحلة ما بين هزيمة يونيو 67 وانتصار أكتوبر 73. وكان الاحتلال يرحل تاركاً وراءه آثار سنوات طويلة من الإهمال والاستغلال، وتاركاً فراغاً سرعان ما استغلته إيران لتحتل الجزر الإماراتية. وكانت أسعار البترول تمثل جريمة استمرت لعهود طويلة تم فيها نهب ثروات المنطقة لصالح الشركات المستغلة، دون اعتبار لمصلحة أصحاب الحق الشرعي في بترول بلادهم.

ومع هذا، ووسط كل هذه الظروف والتحديات، بدأت تجربة دولة الإمارات، لتكون – بعد أقل من نصف قرن – نموذجاً يحتذى في التقدم، ولنكون اليوم أمام فصل جديد من التطلع إلى مستقبل أفضل، ولنرى التجربة الفريدة التي بدأت مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد وهو يعلن أن الثروة الأساسية التي تملكها الإمارات ليست البترول بل البشر، تصل الآن إلى دولة لا تكتفي بما حققته من تقدم في كل المجالات، بل تعلن عن حكومة جديدة يؤكد فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد انحيازه للشباب والمستقبل، ويكون اللافت فيها وزارات للسعادة وللتسامح، وتأكيد دور المرأة ووضع الشباب في قلب المسؤولية.

أمران مهمان وضمن أمور كثيرة تستحق الوقوف عندها، الأول: أن ما وصلت إليه الإمارات بقيادتها الحكيمة وبجهد أبنائها تم عبر سلسلة لم تتوقف من التحديات.

كانت الحروب تدمر دولاً وتستنزف طاقاتها، بينما كانت الإمارات تمضي في البناء، كانت إيران – وما زالت – مستمرة في احتلال جزر الإمارات، ومع ذلك لم يوقف ذلك طموح الدولة الفتية لأن تتوسع في العمران وفي بناء قوتها وفي تعويض سنوات الإهمال الرهيب الذي عاشه مواطنوها تحت الاحتلال.

وكانت المنطقة العربية تمر بمرحلة ركود طويل، بينما كانت الإمارات تدفع بأجيالها الشابة إلى المقدمة، وتعتمد عليهم في تحقيق المعجزة التي حولت الصحراء إلى أجمل بقاع العالم.

وكانت النزاعات تعصف بالعالم العربي، بينما الإمارات تمد يد الصداقة للجميع، وتعلي عروبتها على كل شيء، ولا تنحاز إلا للحق، ولا تتأخر عن واجب حتى مع الذين عضوا الأيادي التي أحسنت إليهم بعد ذلك! ولم تتوقف الإمارات طوال ذلك عن البناء وعن قبول التحدي.

ولعل موقفها بجانب مصر في 30 يونيو، ثم موقفها في سبيل إنقاذ اليمن ووقف العبث الإيراني في المنطقة، يقولان – بكل صدق – إن الإمارات التي عرفت كيف تبني، تعرف أيضاً كيف تحمي ما تبنيه، وأن الدولة التي قامت في قلب الخطر تعرف كيف تواجهه إذا مس أمنها الذي لا ينفصل عن أمن الخليج وأمن العرب.

والأمر الثاني الذي نتوقف عنده اليوم ونحن نرى الحكومة الجديدة في الإمارات هي أننا أمام دولة لا تشغل نفسها بصراعات الماضي بل بتحديات المستقبل، ولا تجعل شيئاً يعوقها عن ذلك. في وسط عالم عربي تهدده محاولات إغراقه في الصراعات الطائفية أو المذهبية.

تأتي الحكومة الجديدة وفيها وزارة للتسامح الذي تبحث عنه شعوب المنطقة لينقذها مما يدبر لها، وليوقف شلالات الدم التي تسيل في دول شقيقة وعزيزة علينا جميعاً.

ولتمنع الخوارج وتجار الدين من نشر الكراهية وتدمير الأوطان وإعادة العرب إلى العصور الوسطي بحجة إحياء الخلافة أو الجهاد الذي لم يدمر إلا بلاد العرب والمسلمين. وسط هذا كله تأتي حكومة الإمارات الجديدة وفيها وزارة للسعادة! خطوة لو تمت في دولة أخرى لما كان لها شيء من المصداقية لكنها في الإمارات تبدو تطوراً طبيعياً لما تشهده الدولة من تقدم لصالح المواطن قبل كل شيء.

وفي الوقت نفسه تبدو تحدياً للواقع المرير الذي تعيشه المنطقة. وهو التحدي الذي تعودت عليه الإمارات والذي يستلزم أن تقدم – وسط كل ما نراه في المنطقة – نموذجاً يدخل السعادة ويجلب الأمل في أن تجتاز الأمة أزمتها وتبني مستقبلها وتصنع سعادتها.

وإذا كانت الحكومة الجديدة تضم أيضاً وزيرة للشباب في بداية العشرينات من عمرها، فهو تحد جديد لشباب الإمارات الذي تخطى بنجاح تحديات كثيرة، وأصبح هو العماد الأساسي للنهضة التي تشهدها البلاد، وهو تحد تزداد أهميته لأنه ليس حركة مصطنعة أو قفزة في الهواء.

بل هو تعبير عن واقع لحكومة شابة ولمجتمع يدفع بشبابه إلى المقدمة ولا يضع العوائق أمامهم، كما يحدث – للأسف الشديد – في العديد من أرجاء وطننا العربي، بل وحتى في دول ثار شبابها على الجمود والتخلف، ودفعوا الثمن وقدموا الشهداء، ثم وجدوا أنفسهم خارج القرار أو داخل السجون، ووجدوا أشباح الماضي تطل مرة أخرى، وعصابات الإرهاب الإخواني أو الداعشي تحاول أن تقتل الأمل.

ما تقوله الإمارات (بحكومتها الجديدة) إن الأمل لن يقتل، وإن الرهان على المستقبل لابد أن ينتصر وإن «التسامح» سيهزم التعصب والكراهية، وإن الشباب هم الثروة التي ينبغي الحفاظ عليها والقوة التي لا بد أن نتيح لها كل الفرص لكي تعطي ما عندها، وإن صناعة السعادة لا بد أن تهزم صناعة القتل والدمار، حتى إن كره من يعتبرون السعادة كفراً، والتسامح جريمة والعيش في سعادة رجساً من عمل الشيطان!

ويبقى الأهم.. وهو أن هناك إدراكاً مسؤولاً بحقيقة أنك لا تستطيع بناء جزيرة من السعادة والتسامح وسط بحار من الكراهية وزراعة الأحقاد والفرقة واستباحة الدماء الحرام، ومن هنا كان الدور الفاعل للإمارات في مساندة مصر وهي تنقذ نفسها والأمة العربية من مأساة سيطرة «الإخوان»، ثم وهي تقاتل من أجل إنقاذ اليمن، وتقدم كل دعم لاستعادة سوريا وليبيا من الفوضى.

Email