مصر بين هزيمة الإرهاب وتحديات التنمية

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسابيع من التحريض على مصر وشعبها وجيشها، وصلت في الأيام الأخيرة إلى أن تكون حملة مجنونة، تتصور أن بإمكانها تفجير الأوضاع في مصر، وهي تحتفل بذكرى الخامس والعشرين من يناير، ثم كانت حصيلة «الإخوان» ومن يدعمونهم من العملاء العرب والأجانب هي أن مر اليوم في هدوء مثير، واختفت حتى الحوادث التي كنا نتوقع أن يقوم بها «الإخوان» من باب إثبات الوجود.

ولم نر إلا بضعة أفراد يتجمعون بسرعة بعيداً عن الناس حتى يتم تصويرهم، لتحاول بعض القنوات التلفزيونية، التي لم يعد يشاهدها أحد، أن تقول، إن هناك تظاهرات، بينما الحقيقة أن «الإخوان» أو بقاياهم المنزوية باتت تخشى من رد الفعل عند المواطن العادي، الذي لم يعد قادراً على رؤية هذه الوجوه التي تمثل أصل الإرهاب، التي أسقط الشعب حكمها الفاشي في 30 يونيو، وإن بقي الإرهاب الذي كانت جماعة «الإخوان» هي أصله يحاول أن يجد مكاناً على أرض مصر بدعم لم يعد خافياً من قوى إقليمية ودولية هي نفسها التي تنشر الدمار في الوطن العربي كله.

ولا شك في أن ما قام به جيش مصر وقوى الأمن فيها من جهد في ضرب الإرهاب يمثل إنجازاً حقيقياً، بعد أن كادت سيناء تتحول في ظل حكم الإخوان ودعمهم- إلى قاعدة لعصابات الإرهاب الإخواني- الداعشي.

تأمين الوطن وتحقيق الاستقرار سيظل أولوية لها كل الاهتمام، خاصة مع ما يستدعيه الموقف في ليبيا من مراقبة دائمة، بعد أن أصبح التواجد الداعشي – الإخواني أمراً لا يمكن تجاهله من دول الجوار، ولا من دول أوروبا (وخاصة جنوبها) التي تدرك خطورة أن يستقر الدواعش على بعد أميال بحرية من شواطئها، وأن يسيطروا على مناطق البترول، ويستقبلوا الفارين من سوريا والعراق، ويلتحموا بباقي العصابات الداعشية في أواسط أفريقيا.

ومع ذلك فمصر بعد ما يقرب من ثلاثين شهراً من سقوط حكم الفاشية الإخواني، تبدو وكأنها قطعت شوطاً طويلاً في معالجة الوضع الكارثي الذي ورثته. استكملت مصر قبل الذكرى الخامسة لثورة يناير خريطة الطريق التي وضعتها، وتم انتخاب مجلس النواب بما له وما عليه! وبدأت في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وفي وضع برامج شاملة لإصلاح المشاكل الأساسية في التعليم والصحة وغيرهما.

عمليات الإصلاح سوف تفرض قرارات صعبة، والمهم هنا أن ترتبط هذه القرارات بمعايير العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأعباء بالعدل، وهو ما يجد مقاومة من حزب الفساد القديم، الذي عاد ليطل بوجهه، ويستخدم المال السياسي في توطيد نفوذه البرلماني، وفي بناء منابر إعلامية وأحزاب سياسية تنحاز للسياسات الاقتصادية نفسها التي قادت نظام الرئيس الأسبق مبارك إلى مأزقه التاريخي.

ولا نريد أن نستنسخ الماضي، ولكن في تاريخ مصر القريب تجربتان أساسيتان: الأولى كانت تجربة ثورة يوليو، التي قادها عبد الناصر، والتي أقامت دولة قادت الأمة العربية في واحدة من أخطر مراحلها، وقدمت تجربة في التنمية الاقتصادية كانت النموذج، الذي طلبت الأمم المتحدة من الدول النامية أن تحتذي به، وقدمت أيضاً تجربة اجتماعية انحازت للفقراء، وفرضت العدالة، وفتحت أبواب التعليم أمام الجميع.

ثم كانت تجربة ثانية أعقبت انتصار أكتوبر العظيم، واعتمدت على «الانفتاح السبهللي»، لا ضوابط ولا سياسات حقيقية، فكانت النتيجة هذا التراجع المستمر الذي طال كل شيء، حيث سادت التبعية للخارج وسياسة 99% من أوراق اللعبة في يد أميركا، كما سادت تنمية لا تذهب حصيلتها لجموع المواطنين بل للقلة المحظوظة.

والتحدي الحقيقي أمام مصر الآن هو اختيار الطريق الصحيح لإصلاح شامل، يتناسب مع ظروف البلاد وما تواجهه من تحديات، وربما يساعد مصر هنا أنها استطاعت أن تؤكد استقلال قرارها بعد 30 يونيو، وأنها تمد علاقاتها إلى دول العالم وقواه المؤثرة من دول الغرب إلى روسيا والصين وإلى أفريقيا شديدة الأهمية بالنسبة لمصر.

هذا التنوع في العلاقات الخارجية تسانده مؤازرة عربية عامة وخاصة من جانب السعودية والإمارات، وقفت بجانب مصر سياسياً واقتصادياً في الأوقات الصعبة واستطاعت معها أن تهزم الحصار الذي أُريد فرضه على مصر، وأن تبني معاً أسس تحالف مصري ـ خليجي هو الآن حجر الأساس في الصمود العربي في وجه العواصف العاتية التي تعصف بالمنطقة، والمخاطر التي تتكالب عليها.

وبقي الأساس في حوار داخلي مطلوب حول برنامج الإصلاح الشامل الذي تحتاج إليه مصر وتملك إمكاناته، خاصة بعد أن تعود السياحة لحركتها الطبيعية، وتبدأ المشروعات الجديدة في إعطاء نتائجها، الحوار الذي يصل بالمجتمع إلى رؤية يلتف حولها وإلى أسس لتحمل تكاليف التنمية وتوزيع ثمراتها، وإلى أولويات يتم تحديدها بصورة علمية، وإلى توقيتات تصل فيه نتائج التنمية وثمار الإصلاح إلى أوسع الطبقات الشعبية وأكثرها احتياجاً.

التنمية في دولة تعدادها تسعون مليون نسمة هي معركة لا تقل ضراوة عن المعركة ضد الإرهاب، وحشد قوى المجتمع في الطريق الصحيح، لتحقيق هذه التنمية وبناء الدولة الحديثة، يستلزم جهد المجتمع بكل فئاته، ويستلزم الحذر من سياسات أثبتت التجارب أنها لا تلائم مصر، ولا تلبي احتياجاتها.

Email