هل تصل الرسالة و تفهم طهران؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأسبوع الماضي كتبت هنا مع مطلع العام الجديد أنه سيكون "عام الحسم.. بين العروبة وأعدائها". وها هي الأحداث تسير بأسرع مما كنا ننتظر، لتثبت أننا أمام عام حاسم بالفعل..

وأن علينا أن نستعد لكل الاحتمالات. قامت أميركا بـ"تسويق" اتفاقها النووي مع إيران على أنه سيدفع الأخيرة إلى طريق الاعتدال. ما فعلته طهران خلال الأيام الأخيرة يثير الشكوك حول سيرها في الطريق الآخر الذي تستغل فيه المزايا التي تتحقق لها في الاتفاق مع أميركا والغرب..

لكي تزداد شراسة في سياستها العدائية تجاه دول المنطقة، ولكي تحاول توسيع نفوذها على حساب الدول العربية، ولو بإشعال الفتنة وإغراق المنطقة في حروب الطوائف. كان لدينا مشكلة أساسية واحدة مع إيران، وهي احتلالها الجزر الإماراتية الثلاث.

وكان الظن بعد الثورة التي أطاحت بحكم الشاه، أن الطريق أصبح مفتوحا لحل المشكلة، لكن ما حدث أن المشاكل توالت مع العالم العربي بعد تبني طهران سياسة "تصدير الثورة"، والحقيقة أنه لم تكن هناك "ثورة" للتصدير أو الاستيراد بعد أن تم الانقلاب عليها لتتحول إلى حكم ديني، وليصبح الهدف هو توسيع النفوذ وبث الفرقة بين أبناء الشعوب العربية والإسلامية.

وعلى مدى أكثر من خمسة وثلاثين عاما لم تتغير تلك السياسة الإيرانية تجاه العالم العربي. ولم تتوقف محاولات اختراق الصف الوطني، وتوسيع النفوذ الإيراني وخلق النزاعات الطائفية لتخلق طهران لنفسها مساحة للتحرك على أساس ديني بينما كان الخلل في موازين القوى لغير صالح العرب من ناحية، والتخطيط والتنفيذ لخريطة جديدة للمنطقة تقسم فيها البلاد العربية يجري على قدم وساق.

وقد وصل الأمر إلى ذروة الخطر بعد أن وقعت مصر تحت حكم الإخوان بدعم أميركي كامل، وبعد أن تحول الوطن العربي إلى ساحة لصراع يتم تغليفه بغطاء ديني..

وبينما هو في حقيقته صراع بين إيران التي تريد بعث ما تقول إنه إمبراطوريتها الفارسية القديمة، وإسطنبول التي تسعى لتجديد السلطة العثمانية تحت زعم إحياء الخلافة.. قبل أن تجد منافسا لها في هذه الخلافة، وهو السفاح البغدادي وعصابات الدواعش التي تتبعه.

مع تحرر مصر من حكم الفاشية الإخوانية، وتحالفها مع أشقائها في السعودية والإمارات وعدد من دول الخليج، أصبح لدى العرب "حائط صد" ضد الهجمة المسعورة التي تشارك فيها قوى إقليمية ودولية وعصابات إرهاب تتاجر بالدين وتبيع الأوطان.

وكان ضروريا أن يتم التصدي للانقلاب على الشرعية في اليمن، وأن تتوقف محاولة إيران للوصول إلى باب المندب، وحصار دول الخليج، ورفع أعلامها على العواصم العربية، واحدة تلو الأخرى، كما يهدد قادتها.

وكان ضروريا أيضا أن تصل الرسالة للجميع بأن الرهان على عصابات الإرهاب الإخوانية الداعشية رهان خائب، وأن الرهان على الميليشيات الطائفية الشيعية وغير الشيعية هو أيضا رهان خائب، وأن التصرف على أن الأرض العربية هي منطقة فراغ يتصارع "الآخرون" على مد نفوذهم فيها قد انتهى عهده.

والمشكلة أن إيران لا تريد أن تتفهم الرسالة. ولا تريد أن تدرك أن أفضل ما تفعله لمصلحتها الحقيقية هو أن تتوقف عن التدخل في الشؤون الخاصة بالدول العربية، وأن تسعى لإصلاح ما وقع من أخطاء، وأن تدرك أن إثارة الفتن الطائفية والمذهبية هو سلاح سيرتد عليها، وأن عليها أن تدرك أن الشيعة العرب كانوا عربا قبل أن يكونوا شيعة، وسيظلون عربا ينتمون لأوطانهم العربية وليس لهذه العاصمة "الأجنبية" أو تلك!

في المقابل كانت إيران بتصرفاتها الأخيرة تبعث برسالة مقابلة تقول فيها لمن راهنوا على أن اتفاقها "الجديد" مع أميركا سيدفعها للاعتدال أن رهانهم ليس صحيحا، وأن الرهان على طائفية تم زرعها بعد غزو العراق بتعاون أميركي- إيراني، لتقابلها طائفية الدواعش الذين نشأوا وتدربوا على أيدي الأميركيين أيضا..

هو رهان خطير ومدمر.. لأن الدواعش سينقلبون على من صنعوهم، ولأن العرب وغيرهم سيكتشفون حتما أن إيران تتاجر بالشيعة لكي تجري وراء أحلامها المستحيلة!

ويبقى الأهم لدينا نحن العرب. وهو أن نحافظ على "حائط الصد" العربي الذي تكون أساسا بتعاون السعودية والإمارات مع مصر. وأن ندرك أن دعم هذا التحالف وتوسيعه هو قضية أساسية. وأن التأخر في بناء القوة العربية المشتركة لم يعد مقبولاً. فالأخطار هائلة في منطقة تعج بالصراعات..

ويراد لها أن يتقرر مصيرها بأيدي القوى الخارجية "الدولية والإقليمية" وبعيدا عن إرادة شعوبها أو استقلال دولها. المشكلة الحقيقية التي نواجهها هي في "بعض العرب" الذين يؤمنون أن الخريطة الجديدة التي يراد تطبيقها على المنطقة هي أمر واقع..

وأن مصير المنطقة لم يعد للعرب مكان فيه إلا ما يقرره الآخرون، هؤلاء أخطر من "الدواعش" ومن المتطرفين الذين يحكمون القرار في طهران، وأشد أثراً من القوى الكبرى التي تضع الخرائط وتريد تطبيقها على حساب العرب ولمصلحة أعدائهم!

وكما ندعو لحكام إيران أن يتبينوا الطريق الصحيح ويتوقفوا عن التآمر على العرب والتدخل في شؤونهم. ندعو لهذا "البعض" من العرب أن يستفيقوا من غفلتهم، لأنهم سيكونون أول من يدفع الثمن، لأن الوضع لم يعد يحتمل إلا خياراً واحداً: مع العروبة.. أو ضدها!

 

Email