العنوان الحقيقي ليس ترامب.. ولا لوبان!

ت + ت - الحجم الطبيعي

غوغائي، ومهووس، وعنصري، ومهرج.. غيرها كثير من الأوصاف المماثلة سمعناها من زعماء أميركا وقادة الرأي فيها وهم يعلقون على تصرفات الملياردير الأميركي «دونالد ترامب» الذي يسعى بقوة ليكون مرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة المقبلة. تلك التصريحات التي طالب فيها بمنع المسلمين جميعاً من دخول الولايات المتحدة الأميركية.

حتى البيت الأبيض لم يتأخر، بل علق مهاجماً «ترامب» قائلاً إن مثله لا يصلح ليكون مرشحاً لرئاسة أميركا! وللأمانة أيضاً.. فقد سبقت تصريحات «ترامب» العنصرية، تأكيدات من الرئيس الأميركي أوباما يدافع عن المسلمين، ويقول إن «داعش» لا تمثلهم، ويطالب المواطنين الأميركيين بالتعامل على هذا الأساس.

كل هذا طيب ومنتظر في الظروف الدقيقة التي تواجهها السياسة الأميركية وهي تتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، ومع ظاهرة الإرهاب التي أصبحت تهدد العالم كله. لكن هذا لا يجعلنا نتجاهل حقائق عدة ينبغي أن تكون ماثلة أمامنا جميعاً ونحن نواجه خطراً يتفاقم يوماً بعد يوم.

«ترامب» الذي وصف بـ«المهووس» و«المجنون» و«المتعصب» و«الجاهل».. لا زال ـ حتى بعد تصريحاته التي أثارت موجة الاحتجاج العارمة ـ يتصدر مرشحي الحزب الجمهوري في سباق الدخول لمعركة رئاسة أميركا! وهو ما يعني أن حوالي 40% من أعضاء الحزب يتبنون هذه الآراء! وأن «ترامب» نفسه يصعد من طرح هذه التصريحات العنصرية اعتقاداً منه بأنها هي التي ترفع شعبيته في حزبه.

لقد طالب قــــبل ذلك بطرد المهاجرين المكسيكيين ووصفهم بأقذع الصـــفات فارتفعت شعبيته بين مرشحي حزبه! وطالب قبل ذلك بغلق مساجد المسلمين في أميركا.. فتواصل تقــــدمه بين المرشحين! وهو الآن يصل لهذه الدرجة الكبيرة من السفاهة والعنصرية..

ولا زال ـ حتى الآن ـ يتقدم صفوف مرشحي حزبه، ولا زال المرشح الأول ليلاقي مرشح الحزب الديمقـــراطي «هيلاري كلينتون» على الأرجح في السباق النهائي على رئاسة أميركا.. ولا أحد يعرف ماذا سيخبئ القدر لأميركا خاصة مع هدايا داعشية مثل التي شهدتها ولاية كاليفورنيا وكانت سبب تصريحات «ترامب» الأخيرة!

إن ما نراه في أميركا يتوافق مع ظاهرة قريبة منه في فرنسا.. حيث أسفرت الجولة الأولى من الانتخابات المحلية عن تقدم مفزع للجبهة الوطنية التي تمثل أقصى اليمين وتوصف بـ«الفاشية» والتي حصلت على المرتبة الأولى متقدمة على الحزب الجمهوري بزعامة الرئيس السابق ساركوزي.

وعلى الحزب الاشتراكي الذي يتزعمه الرئيس الحالي أولاند، ليفرض حزب «الجبهة الوطنية» نفسه على الحياة السياسية باعتباره الحزب الأقوى، ولتكون رئيسته ماري لوبان المرشحة الأساسية لانتخابات الرئاسة المقبلة.

أن «الدواعش» يـــؤدون دورهم كما ينبغي في تشويه صورة الإسلام، وفي زرع الخوف في مواطني دول الغرب، بعد أن أدوا المهمة في البـــلاد العربية وفي أفريقيا، ليدفع الثمن مسلمون تدمر أوطانهم كما سوريا والعراق وليبيا واليمن وغيرها، ويطاردهم الإرهــاب حتى في دول الغرب وفي أميركا التي ظنت نفــسها بعيدة عن الخطر، وكأنها لم تتعلم من الماضي، وكأن قــــادتها لا زالوا يتصورون أنهم قادرون على زرع الإرهاب بعيداً عن بلادهم، ثم البقاء في أمان وسلام.

إن أميركا والغرب وحلفاءهم لا يمكن أن يدعوا البراءة مما يحدث.. فبدلاً من أن يتعلموا من درس «القاعدة» التي دعموها، فانتهت بأحداث 11 سبتمبر، إذ بهم يكررون الدرس وبصورة أسوأ.. يدمرون العراق ويبدؤون مخطط الفوضى في العالم العربي.

إن أميركا «وليس العرب أو المسلمين» هي التي تبنت سياسة زرع الفوضى «الخلاقة من وجهة نظرهم، والمدمرة ما يقول الواقع» في عالمنا العربي.. ولسنا نحن الذين بدأنا الحروب المذهبية.. بل هم الذين جاؤوا بها وهم يغزون العراق، ثم يريدون تعميم تجربته على العالم العربي كله.

أن من رعوا «داعش» وأخواتها لا يريدون أن يفهموا الكارثة التي قادوا العالم إليها؟ ولا يدركون ـ حتى الآن ـ أن «ترامب» في أميركا و«لوبان» في فرنسا، وغيرهما في أوروبا..

ليسوا إلا الوجه الآخر لداعش! وأن السؤال الذي ينبغي أن يجد الجواب ليمنع الكارثة هو: هل لا زال مخطط تدمير العالم العربي واستخدام «الدواعش» و«الإخوان» لخدمة تحويل «الإسلام» من رسالة للمحبة والتسامح إلى عنوان لكل ما يقع من جرائم من جماعات ترفع زوراً راية الإسلام.. هل لا زال هذا المخطط قائماً؟ أم أن مخاطر وصول الإرهاب إلى قلب دول صنعته ودعمته سيغيّر الموقف؟

هذا هو السؤال الحقيقي.. أما «ترامب» و«لوبان» فهي التفاصيل التي لا ينــبغي أن تحجب عنا، وعن العالم كله، حقيقة المعركة ضد الإرهاب، وفريضة مساءلة من تصوروا ـ ولا زالوا ـ أن العرب والمسلمين سيكونون وحدهم هم الضحايا.

Email