لن ننسى تضحياتهم

ت + ت - الحجم الطبيعي

الشهداء هم أنبل الناس، وأشرف الناس، وأطهر الناس. تجردت نفوسهم من حب النفس والحرص على الحياة، فوضعوا أرواحهم على أكفهم، وقدموها رخيصة، من أجل وطن غال، وهدف سام، وغاية نبيلة، فطوبى لهم.

نحن أمام الشهداء نقف عاجزين عن الكلام، ووصف مشاعرنا تجاه هؤلاء الذين يأتون في صمت، ويبذلون في صمت، لكنهم يرحلون في صخب، ومهرجانات تقدير وإجلال وحب، هي أقل ما يستحقون جزاء ما قدموا للوطن من تضحيات، وما سطروا في سجل مجده من صفحات.

نحن أمام الشهداء نقف مبهورين بهذه الروح التي يتحلون بها، وهذا البذل والعطاء، من دون انتظار شكر أو ثناء، سوى شكر الخالق وثنائه عليهم، واحتسابهم أحياء عنده، فأي مكافأة أكبر من تلك التي ينالونها من واهب الروح، وأي ثناء أعظم من هذا الذي يسبغه عليهم من لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه؟

نحن أمام الشهداء نقف صامتين، فالصمت في حرم الشهادة شهادة لمن نال هذا الشرف العظيم، ولمن عمل من دون ضجيج، ثم ذهب تزفه الملائكة إلى جنة عرضها السموات والأرض، أعد الله الفردوس الأعلى منها للنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

نحن أمام الشهداء نقف في وقار، وقد وضعت على رؤوسهم تيجان الغار، ورُصت على صدورهم نياشين البطولة والنصر، ونالوا من الحياة أسمى ما يناله البشر، ونلنا نحن من تضحيتهم بأرواحهم العز والمجد والفخر. تتلقى كل الشعوب في شهدائها العزاء، ونتلقى نحن في شهدائنا التهاني، لأن شهداءنا ليسوا أمواتاً، وإنما هم أحياء يقيمون بيننا، نستلهم منهم معاني التضحية والفداء، ونستمد من تضحياتهم العزم والإباء، ونرفع بهم رؤوسنا حتى تعانق السماء.

تقدر كل الأوطان شهداءها، وتقيم لهم نصب الجنود المجهولين في العواصم والمدن الكبرى، ونقدر نحن شهداءنا، ونقيم لهم نصب الجنود المعلومين، لأن شهداءنا مقيمون في القلب، يسكنون الوجدان، ولا يغيبون لحظة عن ذاكرة الوطن.

اليوم هو الثلاثون من شهر نوفمبر؛ التاريخ الذي قررت دولة الإمارات العربية المتحدة أن تحتفي فيه بالشهداء كل عام، تخليداً ووفاء وعرفاناً بتضحيات وعطاء وبذل شهداء الوطن وأبنائه البررة، الذين وهبوا أرواحهم لتظل راية الإمارات عالية خفاقة، الذين ارتقوا معارج الشهداء وهم يؤدون مهامهم وواجباتهم الوطنية داخل الوطن وخارجه، في الميادين المدنية والعسكرية والإنسانية كافة. واليوم تقام مراسم وفعاليات وطنية مختلفة، تشارك فيها مؤسسات الدولة كافة، وكل أبناء شعب الإمارات والمقيمين فيها، استذكاراً وافتخاراً بقيم التفاني والإخلاص والولاء المتجذرة في نفوس أبناء الإمارات، التي تحلوا بها وهم يجودون بأرواحهم في ساحات البطولة والعطاء وميادين الواجب.

هكذا قررت قيادة دولة الإمارات في بيان أصدره صاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله. ولأن قيادة دولة الإمارات وشعبها على قلب رجل واحد، فقد انطلقت في كل ربوع الوطن مهرجانات حب ووفاء وتقدير لشهداء الوطن، ويشهد اليوم قمة الوفاء لهؤلاء الشهداء، عندما تتوحد الإمارات في دقيقة إجلال وإكبار ودعاء لهؤلاء الشهداء، جزاء ما قدموا من تضحيات لهذا الوطن، وما بذلوا من غال للذود عنه، وجعل رايته عالية خفاقة بين الشعوب والأمم.

اليوم يقف المجتمع الإماراتي بقادته، وكل فئاته من مواطنين ومقيمين، ليتوحد الجميع في دقيقة دعاء صامت، تقديراً وإكراماً لأرواح شهداء الوطن، تتبعها مراسم رفع علم دولة الإمارات مصحوبة بالنشيد الوطني، في مشهد جليل، يشارك فيه قادة الوطن وشعبه، وكل المقيمين على أرضه الطيبة، مسجلين فخرهم واعتزازهم بشهداء الوطن الأبرار، مستذكرين سيرهم العطرة، معترفين لهم بالارتقاء إلى قمة مراتب التضحية والفداء، من أجل وطن يستحق كل ما نقدمه له من أشكال العطاء.

طوبى لشهدائنا الأبرار في يومهم العظيم المشهود، الذي كان له ما قبله، والذي سيكون له ما بعده، فتكريم الإمارات لشهدائها لن يقتصر على يوم يحمل من الرمزية الكثير، لكنه ممتد على مدى أيام العام كلها، بل مدى عمر الأجيال المقبلة، الذي بذل الشهداء من أجله أعمارهم، وضحوا بأرواحهم، كي يبقى هذا الوطن مصوناً عزيزاً، لا يمس أبناءه نصب، ولا يجرؤ أحد على التفكير في الاعتداء على أرضه، أو النيل من كرامته وعزته، وكي ينصروا المظلومين في كل مكان، ويمدوا يد العون إلى كل الأشقاء في الدين والدم والتاريخ والمصير، وإلى كل الأصدقاء والشركاء في الإنسانية، مهما بعدت أوطانهم، أو اختلفت أعراقهم وألوانهم وأديانهم.

في يوم الشهيد نقف دقيقة دعاء صامت تقول أكثر مما تقوله دقائق العمر كله، ونتوجه إلى الخالق في علاه أن يجعل الفردوس الأعلى منزلهم، وأن يحفظ وطننا الغالي من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وطمع الطامعين والمتآمرين على وحدة أرضه وشعبه، والساعين إلى النيل من منجزاته، التي يجل عنها الحصر والوصف.

في يوم الشهيد يلتف شعب الإمارات حول قيادته الحكيمة، ويجدد لها العهد والوعد والولاء، واثقاً من قدرتها على قيادة سفينة الوطن، والإبحار بها وسط كل الأنواء التي تعصف بالمنطقة والعالم، والوصول بها إلى بر الأمان.

طوبى لشهدائنا الأبرار في يومهم المشهود، وهنيئاً لوطننا العظيم بهم، وبقادته وشعبه الذين يعرفون لهم قدرهم، ويضعونهم في المكانة التي يستحقونها، جزاء ما قدموا للوطن من تضحيات جليلة، لن ننساها أبدأ، وسيذكرها لهم التاريخ بكل الإجلال والعرفان والتقدير.

Email