الوطن واللاجئ

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا وطن بلا جغرافيا، لكن الوطن ليس جغرافيا فقط، الوطن ليس مكاناً أصم بل مكان يضج بالحياة، إنه انتماء مفعم بالحب، ومدعاة للفخر. ولأن الوطن هو هذا فإن الوطنية هي حب الوطن بكل ما ينطوي عليه هذا الحب من واجبات.

وإن لم يكن الوطن كذلك فلا يكون وطناً بل سمه ماشئت.الوطن يعني أن يكون لك بيت دائم دون أي معنى للشوفينية والعنصرية والتعصب، بل لا تستطيع أن ترى العالم كله وطناً لك دون أن تشعر أنك منتمٍ إلى وطن محدد، أن يكون لك وطن يعني أن يكون لك حق غير قابل للإلغاء والاعتداء.التهجير إنها لأصعب تجربة يمكن أن يعيشها شخص في الحياة: تجربة اللاجئ أن يكون وطنك أمامك ولا تستطيع أن تكون مواطناً فيه.

اللاجئ هذا الكائن الذي خرج عنوة من مكانه طمعاً بالأمان وحباً بالبقاء على قيد الحياة كائن يعيش في الزمان المؤقت والمكان المؤقتين. لقد هُجِّر من وطنه عنوةً.

لا شك بأن التهجير سياسة منظمة تقوم على استخدام العدو الحد الأعلى من جرائم القتل والتدمير والمجازر الجماعية لزرع الخوف في قلوب الناس وحمل السكان الأصليين على الهروب من الموت واللجوء إلى مناطق آمنه خارج أوطانهم،كما قلنا.

العصابات الصهيونية فعلت ذلك بعدد من المجازر عام ثماني وأربعين راح ضحيتها أقل من ألفي فلسطيني، اقل من ألفي شهيد راحوا ضحية المجازر الصهيونية كانت كافية ليهجر أغلب سكان فلسطين ديارهم خوفاً من الموت المتربص بهم.

وها هو شعب سورية يهيم على وجهه باحثاً عن مكان يلجأ إليه و النظام الحاكم يلقي على مدنه وحاراته البراميل المتفجرة ويسويها بالأرض و يفقد مئات الآلاف قتلاً، ومئات الآلاف فقداً بمجازر لم يشهد تاريخ المنطقة لها مثيلاً منذ التاريخ الأول لها قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة.

والحوثيون و عسكر الرئيس المخلوع حملوا الآلاف من أبناء اليمن على اللجوء عبر همجيتهم بالقتل والتدمير و اغتيال الحياة لم يشهد اليمن لها مثيلاً حتى بعد انقلاب عبدالله السلال وقس على ذلك ما يجري في العراق بسبب الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران و الميلشيات الداعشية.

لكن ما يدعو للدهشة أن ينظر إلى لجوء البشر خوفاً من الموت كظاهرة قائمة بحد ذاتها والبحث عن إيجاد مكان انساني ما لهؤلاء اللاجئين دون النظر إلى أسباب اللجوء و العمل على حل سياسي لعملية تهجيرهم.

فَلَو تركنا اليمن جانباً حيث حملت قوات التحالف العربي على عاتقها عبء إعادة اليمن إلى وطن آمن فإن ما يجري في سورية كأحد أكبر الكوارث بعد الحرب العالمية الثانية أمر يجري النظر إليه بمعزل عن مصير الملايين اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل في منافي الأرض. بل إن هناك من يتحدث عن هجرة السوريين وليس عن لجوئهم. وشتان ما بين الهجرة واللجوء، فالهجرة في الغالب فعل إرادي طمعاً في حياة أفضل، أو تجاوز حالة فقر، أو بحثاً عن فرص عمل دون أن يفقد المهاجر قدرته على العودة إلى وطنه، دون أن يفقد حق العودة إلى وطنه، بل باستطاعته العودة إليه متى شاء.

فيما اللاجئ شخص هرب من الموت وهُجّر من وطنه بقوة السلاح وخضع لطقوس اللجوء بكل ما تحمله من مرارة. أيها المشفقون على السوريين تذكروا بأن السوريين الهاربين من الموت إلى بلدان القرار الدولي لم يتعرضوا لهزات أرضية طبيعية دمرت بيوتهم ولا إلى فيضانات جرفت أولادهم، ولا إلى جرم سماوي سقط على مدنهم وقراهم كي ينظروا إليهم بعين الشفقة، و التعامل معهم بوصفهم مشكلة إنسانية، تحتاج إلى حل إنساني هؤلاء ضحايا براميل سياسية مدمرة وأسلحة كيمائية مبيدة، وتهجير قسري.

Email