كما يولَ عليكم تكونوا

ت + ت - الحجم الطبيعي

قالت العرب قديماً: «كما تكونوا يولَ عليكم». وقام نَفَر قليل بنسبة هذا القول إلى الرسول الأكرم، غير أن أغلب الفقهاء قد أنكروا نسبة هذا القول إلى الرسول، وحجتهم أنه قول لا يصمد أمام الواقع، إذا قد يخلف حاكماً جائراً حاكم صالح أو العكس والنَّاس هم هم. فضلاً عن أن سنده ضعيف وراويه مشهور بالكذب.

لكن الملاحظ تاريخياً أن العكس في أكثر الأحوال هو الأصح، أي كما يولَ عليكم تكونوا، فلقد ثبت بالدليل الواقعي بأن السلطة الفاسدة إذا ما بقيت في سدة الحكم ردحاً طويلاً من الزمن وهي تُمارس الفساد فإنها تَخلق جمهوراً كبيراً من الفاسدين أولاً، وتعمم فسادها وأخلاق فسادها على أكثر فئات المجتمع.

والمتأمل في الُسلط التي ثار عليها الناس في ظاهرة الربيع العربي يجدها فاسدة، وتركت فسادها يستشري في المجتمع حتى صار انتصار أخلاق الأمانة والزهد يحتاج إلى زمن طويل.

وقس على ذلك أخلاق العنف الذي أشاعته الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة، فعبر عقود مارست هذه السلطات كل أشكال العنف على المختلفين وعلى ما يُظن انهم مختلفون، أو قد يصدر عنهم ما يشبه «اللّا». لقد صار العنف شيئاً فشيئاً طقوساً في حل الخلافات الاجتماعية، أو صار الاستعانة بعنف السلطة طريقة للاعتداء على الحق. وهذا من أخطر أشكال تحطيم قيم التسامح والاعتراف بالحق والمدمر للعلاقات المعشرية الإنسانية.

بل لقد أصبحت الحياة مستحيلة في ظل العنف المنتشر، وثقافة الاعتداء دون رادع. وهذا يعني فقدان الشرط الأهم للعيش، ألا وهو العيش بأمان. تخيل أن تعيش في عالم لست فيه آمناً على حياتك ومالك، في عالم تكون فيه السلطة مصدر خوفك وليس مصدر شعورك بالأمن والأمان.

أما النمط الأكثر شيوعاً لانحطاط السلطة المستبدة الأخلاقي وتحول هذا الانحطاط إلى أخلاق سائدة فهو الاعتداء على القانون وخرقه دون أي اكتراث بالنتائج المدمرة لغياب القانون.

ففي اختراق القانون يغدو كل شيء مباحاً، من الاعتداء على قانون السير إلى الاعتداء على ملكية الدولة وعلى ملكية الأفراد إلى الاعتداء على أنظمة الجامعات إلى الاعتداء على المصالح العليا للدولة.

وصار الإنسان العادي، إذ رأى اعتداء السلطة على القانون، قادراً على ذلك عبر قوة ما، أو عبر الرشوة، حتى صار هناك ثمن محدد لكل نوع محدد من أنواع اختراق القانون.

فالدولة التي يفترض فيها أنها حامية للقانون الذي يفترض فيه انه حامٍ للإنسان، تتحول إلى معتدية على القوانين التي سنتها، أي مفارقة أغرب من هذه المفارقة العجيبة؟!.

وبعد هذا كله، وإذا ما أعلن الناس احتجاجهم على واقعهم وعلى سلطة تدمر معايير العقل السليم والقيم والضمير الإنساني تتحدث هذه السلطة عن مؤامرة خارجية هدفها تدمير الأوطان.

ولنفترض بأن هناك مؤامرة ما، ونساير هذا الاعتقاد الزائف ولكن لنتساءل : هل يمكن لأية مؤامرة في الدنيا أن تنال من دولة ومجتمع تكون فيه الدولة حامية المجتمع والمجتمع حامياً للدولة، بالتأكيد لا. إن أي فرد يعيش في دولة يشعر فيها بالحرية والأمان والرعاية والإنصاف والحق والمواطنة هو الفرد القادر على الشعور بالفخر بالانتماء إلى دولته وهو الفرد الذي يشعر بأنه حامٍٍ لدولته ومستعد للدفاع عنها بأي صورة من الصور.

 

Email