قناة السويس.. مصر تحتفل و»الإخوان« يقيمون العزاء!

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستعد مصر للاحتفال هذا الأسبوع بإنجاز مشروع »التفريعة« الجديدة لقناة السويس التي تزيد طاقة الممر المائي العالمي من 47 سفينة يوميا إلى أكثر من 90 سفينة بغاطس أعماق وحمولة أكثر وبزيادة متوقعة في الإيرادات تتجاوز الـ15% وبزيادة في القدرة التنافسية للقناة مع أي مشروعات حالية أو متوقعة!

الفوائد الاقتصادية كبيرة، خاصة أنها ترتبط مع المشروع الأساسي الذي سيبدأ العمل فيه على الفور، وهو تحويل المنطقة إلى واحدة من أكبر المناطق الاقتصادية في العالم استغلالا للموقع الفريد الذي يتوسط العالم ويربط أوروبا بإفريقيا وآسيا، ويتمتع بكل المزايا لإنشاء منطقة تجارية وصناعية على أعلى مستوى، ولجعلها مركزا للخدمات البحرية اعتمادا على وجود 6 موانئ في المنطقة وحركة نقل للتجارة العالمية هي الأكبر والأهم.

ومع ذلك فالعامل الاقتصادي ليس وحده الذي يدعو للاحتفاء بالمشروع الجديد، وإنما هناك عوامل كثيرة حولت الأمر إلى مصدر اعتزاز وطني لدى ملايين المصريين.

فالمشروع كان مقرراً أن يستغرق تنفيذه خمس سنوات تم اختصارها إلى ثلاث، لكن الرغبة في تقديم نموذج للتحدي جعل المشروع يتم في عام واحد. وكان التحدي الأهم هنا هو ما يتعلق بالأمن، حيث تدور حرب حقيقية في قلب سيناء، وحيث لم تتوقف محاولات عصابات الإرهاب من الإخوان وغيرهم لإحداث أي ضجة حول القناة أو بالقرب منها، لكن الجهود الأمنية كانت بالمرصاد لتحقيق أعلى درجات الأمان لهذا المرفق المائي العالمي.

والمشروع كان مقترحا أن يتم بقروض أو مساهمات خارجية. لكن إرادة التحدي جعلت التمويل مصرياً خالصا وبمساهمات المواطنين التي بلغت 64 مليار جنيه (أكثر من ثمانية مليارات دولار) في أقل من أسبوع. وهذا المبلغ لا يمثل فقط تكلفة المشروع الضرورية لإقامة الفرع الجديد للقناة، وإنما يشمل تكلفة عدة أنفاق تمتد تحت القناة وتربط بين سيناء والوادي بخطوط سكك حديد وسيارات (حيث لا يوجد الآن إلا نفق وحيد هو نفق أحمد حمدي وهو لن يكون قادرا بالطبع على مواجهة المشروعات الجديدة في المنطقة).

مشروع تحويل المنطقة إلى منطقة للتجارة العالمية والتصنيع والخدمات البحرية مشروع قديم، عمره من عمر القرار التاريخي بتأميم القناة الذي أصدره جمال عبد الناصر عام 1956، لكنه تحول من حلم إلى كابوس في ظل حكم الإخوان حيث تم طرحه دون دراسته، وفي ظل رغبة أطراف أجنبية في التواجد والسيطرة على هذا الجزء الاستراتيجي من أرض مصر، وتكوين عازل جغرافي بين الوادي وسيناء، مع الحديث عن قبول الإخوان بالتنازل عن جزء من سيناء ليكون إمارة إسلامية أو لضمه بشكل ما إلى غزة. ليكون هذا هو الطريق لتصفية القضية الفلسطينية!

ومن هنا كان التحدي بعد 30 يونيو، أن يبدأ العمل على تنفيذ المشروع تحت السيطرة الوطنية الكاملة، وبعد دراسات مستفيضة شاركت فيها مؤسسات عالمية، وبالتعاون مع أطراف عربية كانت السند لمصر بعد الثورة، ومثلت العلاقات معها نموذجا في التعاون وإعلاء المصلحة العربية والأمن القومي الذي يمتد من مصر إلى الخليج العربي ويربط بينها بأوثق رباط، ويجعل كل إضافة اقتصادية أو عسكرية أو سياسية هي إضافة للقوة العربية التي تواجه الآن أصعب التحديات.

في ظل ظروف طبيعية قد يبدو إنجاز مشروع التفريعة الجديدة لقناة السويس أمرا عاديا، لكن ما يجعله أمرا يستحق الاحتفال هو الظروف التي صاحبته.. الجرأة في أن تبدأ المشروع وأنت تخوض حربا ضارية ضد إرهاب كان مخططا له أن يستوطن سيناء وأن يهدد القناة!! والإجرام الذي لم تتوقف عصابة »الإخوان« عن ممارسته ورغبتها في الانتقام من مواطني منطقة القناة الذين حولوهم إلى مادة للسخرية حين تحدوا المعزول مرسي وهو في الحكم ورفضوا قراره بفرض الطوارئ في المنطقة.. علما بأن مدينة الإسماعيلية التي بها مقر قناة السويس هي المدينة التي نشأ فيها تنظيم »الإخوان« قبل ثمانين عاما!

أيضا.. لا ينبغي أن ننسى أن المشروع الذي تحتفل مصر بإنجازه بدأ في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وفي ظل حصار حاولت قوى كبرى مع حلفائها وعملائها في المنطقة فرضه على مصر، التي تصدت له بمساعدة من أشقائها العرب »خاصة في الإمارات والسعودية« حتى هزمته.

كان اللجوء للمواطنين لكي يمولوا المشروع مغامرة نجحت بامتياز. وكان تحدي كل الصعاب ليتم المشروع في عام واحد رهانا ناجحا لتقديم نموذج للنجاح، ولتمهيد الطريق أمام المعركة الأهم التي تحتاج لحشد كل الجهود من أجل بناء الدولة الحديثة وتعويض سنوات طويلة من التراجع الذي شهدته مصر في كل الميادين.

يحتفل المصريون (ومعهم الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم كله) بما أنجزوه، يعرفون حجمه الطبيعي، ويعرفون أيضا أن قيمته الأساسية هي في تحدي الظروف وقهر الصعاب وإثبات أن مصر تعطي أفضل ما عندها عندما تواجه التحديات وتخوض المعارك.

وفي نفس الوقت.. يقيم »الإخوان« وأنصارهم ممن يدعمونهم مأتما تتبارى فيه وسائلهم الإعلامية التي يساهم فيها- للأسف الشديد- دولة عربية شقيقة وقوى أخرى تحلم بالهيمنة على العالم العربي بادعاء الخلافة، أو بادعاء الجهاد الذي لم يقتل إلا العرب والمسلمين!

كعادتهم.. يتصرف »الإخوان« على أن كل إنجاز وطني في أي دولة عربية أو إسلامية هو هزيمة لمشروعهم، لأنهم- من نشأتهم- ضد الوطن وضد أي مصلحة إسلامية حقيقية! ولأنهم- منذ نشأتهم- كانوا على الدوام ضد كل من يمثل إرادة الشعب!

يقول التاريخ إن جماعة »الإخوان« نشأت في مدينة الإسماعيلية بدعم مالي من الشركة الفرنسية التي كانت تملك قناة السويس وتسعى لمد السيطرة عليها للأبد! ويقول »الإخوان« أنفسهم إنهم صلوا ركعتي شكر لله على هزيمة مصر في حرب 67 لأنهم تصوروا أنهم سيتخلصون من الرجل الذي أعاد القناة لشعب مصر، وقاد الوطن العربي إلى التحرر من الاحتلال وإلى استعادة كل الثروات المنهوبة!

لهذا كله فمن الطبيعي أن تحتفل مصر بإنجازها في مشروع قناة السويس وأن يشاركها الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم كله.. بينما يقيم »الإخوان« ومن يدعمونهم المآتم، ويتقبلون العزاء في مشروعهم المضاد الذي كان عنوانه خيانة الوطن والإساءة للدين والعمالة لمن يريدون الهيمنة على القناة والسيطرة على مستقبل العرب!

Email