العنصريون ملة واحدة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بمعايير الجغرافيا، تقدر المسافة بين فلسطين التاريخية والولايات المتحدة الأميركية بآلاف الكيلومترات. وبمقاييس التاريخ والاجتماع الإنساني، تقع فلسطين في قلب العالم القديم، فيما تعد الولايات المتحدة الرمز الأشهر للعالم الجديد.

لكن هذه المسافات الشاسعة بالمفهومين الجغرافي والتاريخي توشك أن تضيق إلى أبعد التصورات إذا تأملنا في طبيعة التجمعين الاستيطانيين، اللذين حطا رحالهما في كل من فلسطين وأميركا، لاسيما من حيث أسلوب النشأة والبنى والمعتقدات الفكرية والقيمية.

القصد، أن هناك معطيات توجب ملاحظة التشابه بين الغزو الاستيطاني، الذي اضطلع به الرجل الأوروبي الأبيض، لأميركا الشمالية، وبين الغزوة الصهيونية الاستيطانية لفلسطين؛ التي استلهمت أصولها الفكرية والسلوكية من المنظومة الأوروبية ذاتها.

أوجه الشبه هذه شكلت خلفية للاعتقاد السائد لدى قطاعات من المنظرين الصهاينة وبعض المفكرين الأميركيين، القائل بأن الولايات المتحدة تمثل مملكة داوود القديمة، بينما تعبر إسرائيل عن المثال الأحدث والمصغر للولايات المتحدة.

هذه التعميمات، المبثوثة تفاصيلها فى الأدبيات الصهيونية، تسمح لنا بتفهم بعض أهم أسس العلاقة الخاصة بين الكيانين الأميركي والإسرائيلي.. والأهم أنها مرجعية ضرورية لتفسير السياسات والسلوكيات العنصرية تجاه عوالم الآخرين. يقال مثلاً إن السيادة والسيطرة معقودتان في الولايات المتحدة لما يعرف اختصاراً بالواسب.. وهم البيض الأنجلوساكسون البروتستانت. هذا في حين تقع مصادر القوة والتحكم في صناعة القرار داخل إسرائيل في حجر المتحدرين من أصول أوروبية بيضاء؛ المعروفين بالاشكيناز.

الذين لا يأخذون هذه المعطيات بعين الاعتبار، يصعب عليهم فهم التماثل، في بعض الحوادث العنصرية التي تطل بين الحين والآخر في كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.

يحاكي النموذجان الأميركي والصهيوني الإسرائيلي بعضهما بعضاً، في انعكاس محتوييهما العنصري التمييزي على التراتب الطبقي الاجتماعي الاقتصادي.

تكرارية الحوادث الإجرامية والصدامات ذات المرجعية التمييزية، أجبرت كبار المسؤولين في واشنطن وتل أبيب على الاعتراف بأن الجهود لاتزال قاصرة عن استئصال العنصرية في هذين النموذجين. وتقديرنا أن القضاء على مظاهر التمييز لا يتعلق بتفعيل منظومة القوانين المانعة، مهما حرصت نصوصها على المساواة واجتهدت السلطات في تطبيقها.

ضغوط الأوضاع التمييزية المضروبة عليهم.

إذا نحينا بعض التفاصيل، وتحرينا المشهد الاجتماعي الاقتصادي العام لليهود الأفارقة في إسرائيل، وجدنا واقعاً يوشك أن يكون نسخة كربونية مما يجري في الرحاب الأميركية. وأخيراً أطلق يهود الفلاشا موجة عارمة من التظاهر الغاضب والعنيف، احتجاجاً على التعبيرات والممارسات التمييزية بحقهم.

وليس بلا مغزى فى هذا السياق، مواكبة هذه الاحتجاجات وتزامنها تقريباً مع غضبة مماثلة للأفارقة في بلدة نورث تشارلستون المجاورة لموقع جريمة الشاب الأبيض، بسبب مقتل رجل أسود البشرة على يد شرطي ذي بشرة بيضاء بلا مبرر معقول.

المسألة في التحليل الأعمق تتصل بالينابيع الثقافية والبنى القيمية المجتمعية بعيدة الغور، التي تأسس عليها المجتمعان الاستيطانيان الأميركي والصهيوني الإسرائيلي. والثابت أن التغيير الثقافي والقيمي يشق طريقه بوتيرة سلحفائية في نفق تاريخي ممتد، لا يمكن تحديد نهايته بسهولة.

Email