قانون جديد لمكافحة التمييز ونبذ الكراهية يشق طريقاً ريادياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف عن الإمارات أنها بلاد الأوائل التي تتفوّق في كل المجالات. أنا فخور بكل ما حققناه في مجالات البنى التحتية والمنشآت والحداثة والتعددية الثقافية، لكن أكثر ما يثلج صدري هو تمسّكنا القوي بقيمنا. فالبلد الذي لا قيم له ليس أكثر من مجرد جسد من دون روح، معرَّض للانهيار عند أيِّ هبة ريح.

قانون مكافحة التمييز ونبذ الكراهية الذي صدر مؤخراً بمرسومٍ من رئيس الدولة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، هو خير تجسيد لروح التسامح واحترام الآخرين التي تشكّل حجر الأساس في إيماننا وثقافتنا. أحيّي رئيسنا على حزمه في اتخاذ إجراءات للقضاء على الكراهية والتمييز قبل أن تحظى هاتان الآفتان بفرصة التجذّر في أرضنا، كما حصل للأسف في أماكن أخرى.

وقد سارع المجلس الإسلامي الأوروبي إلى الإشادة بهذه الخطوة، وناشد الحكومات في البلدان الإسلامية كافة أن تحذو حذو دولة الإمارات على ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية التي تهدّد السلام العالمي.

ينبغي على الولايات المتحدة التي تسمح لكارهي الإسلام بحرق القرآن، ولمنظمة «كو كلوكس كلان» بتأجيج التشنّجات المذهبية عبر تنظيم تجمّعات عامة، كما حصل مؤخراً في ولاية كارولينا الجنوبية، أن تعيد تقييم قوانينها الخاصة بمكافحة الكراهية أو بالأحرى غياب هذه القوانين بذريعة الحفاظ على حرية التعبير. فالخطب التي تحرّض على الصدامات العنيفة أو تغسل أدمغة الأشخاص المضطربين لدفعهم نحو ارتكاب عمليات قتل في المدارس أو المراكز التجارية أو دور السينما، يمكن أن تشكّل سلاحاً فتّاكاً، ولا مكان لها في المجتمعات المتحضّرة.

تُجري المملكة المتحدة حالياً مراجعة شاملة لقوانينها بهدف كبح التطرّف. بصراحة، أجده أمراً مثيراً للصدمة أن السلطات البريطانية لم تتمكّن من إيقاف أشخاص مرّوا أمام ساعة «بيغ بن» قبل بضعة أسابيع رافعين الرايات السوداء لما يُسمّى تنظيم «داعش»، وذلك لأنهم لم ينتهكوا أية قوانين!! والمفاجئ أيضاً أنه بإمكان المتشدّدين التنقّل بحرية في شوارع بريطانيا العظمى وتوزيع منشورات لتجنيد الأشخاص فيما يطلقون هتافات مهينة بحق السلطات.

بريطانيا هي ضحية سياساتها المتساهلة، فقد تحوّلت مناطق بكاملها في البلاد إلى بؤرٍ للكراهية حيث يجري التخطيط للمؤامرات الإرهابية ضد الدولة التي منحت ملاذاً للمهاجرين. وبما أنه لكل فعل رد فعل، تحصد المجموعات اليمينية المتشدّدة المكاسب عبر انضمام أعضاء جدد إلى صفوفها.

في الوقت الذي تنتصر فيه الكراهية من حولنا، بأشكالها المختلفة من إساءة كلامية وعنف طائفي وإرهاب، وجّهت الإمارات رسالة قوية بأنه لن يُسمَح لسموم التعصّب والتمييز العنصري بأن تلوّث هذه الأرض المتناغمة حيث يعيش مواطنون من أكثر من مئتَي جنسية بسلام ووئام. لن نتساهل أبداً مع المجموعات والأشخاص الذين يسعون إلى زرع الشقاق عبر تأليب الإنسان على أخيه الإنسان.

وقد وصفت وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام) القانون بأنه يكرّس «بيئة سليمة تقوم على التسامح وسعة الأفق وقبول الآخر، ويهدف إلى حماية الأفراد والجماعات بغض النظر عن أصلهم أو عرقهم أو دينهم أو عقيدتهم أو طائفتهم، كما يكافح القانون الأفعال التي تروّج الكراهية الدينية وعدم التسامح». من يخالف القانون - سواء بالكلام أو كتابةً – فهو معرَّض لعقوبة تصل إلى عشر سنوات من السجن ودفع غرامة تتراوح من 50000 إلى مليونَي درهم.

فضلاً عن ذلك، يحظر القانون مختلف أشكال التجديف والتدنيس وكل ما من شأنه الإساءة إلى الذات الإلهية والأديان والأنبياء والرسل والكتب السماوية ودور العبادة. والأهم من ذلك، يجرِّم القانون من يعبّر عن عقيدة تكفيرية تصنّف جميع من يرفضون تشويه هذه العقيدة للدين الإسلامي، سواءً كانوا مسلمين أو غير مسلمين، في خانة «الكفّار» من خلال استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات.

في عالم مثالي، لا حاجة إلى قوانين لحماية السلوك الإنساني القويم. لقد اكتسبت البشرية المعارف، وكل جيل أفضل ثقافةً من سابقه. لم يعد الجهل الذي غالباً ما كان يُساوى بالشر، يصلح لاستخدامه ذريعةً للتفكير الخاطئ أو التصرف السيئ.

كان يُعتقَد في السابق أنه كلما كانت معرفتنا للآخر أفضل، أصبحنا أقل خوفاً منه، وأدركنا أننا جميعاً أبناء العرق نفسه - العرق البشري الذي يتشارك الكوكب نفسه - بغض النظر عن انتمائنا العرقي أو لون بشرتنا أو معتقداتنا الدينية. لكن للأسف، يبدو أن ما يحصل هو العكس تماماً. فالجشع والسعي خلف السلطة والهيمنة يتقدّمان على اللطف والتعاطف في بعض المناطق في العالم.

الإنترنت الذي كان يبشّر سابقاً بتعزيز التواصل بين الأشخاص من مختلف الجنسيات والأديان، يُستخدَم الآن لتأجيج الكراهية عبر السماح لأشخاص ذوي ميول وآراء مشتركة، بالالتقاء معاً في ما يعتبرونه بيئةً افتراضية يستطعيون فيها إخفاء هوياتهم الحقيقية، وحيث كل شيء مسموح. تروّج شبكة الإنترنت للكراهية على مستوى واسع جداً من خلال قدرتها على الوصول إلى الجماهير الغفيرة.

يمتنع العالم، لا سيما الديمقراطيات الغربية، عن ملاحقة مروّجي خطاب الكراهية عبر الإنترنت الذي يدفع بأعداد لا تحصى من الشباب الذين يسهل اقتيادهم والسيطرة عليهم، إلى الانتحار أو يحوّلهم أهدافاً، لكن الوضع مختلف في الإمارات العربية المتحدة.

فمن يستخدمون الإنترنت لبث الكراهية الدينية لن يتمتعوا بعد الآن بحصانة من التجريم، بموجب القانون الجديد الذي يأتي في أعقاب قانون آخر أُقِرّ مؤخراً حول مكافحة الجرائم الإلكترونية، والذي يجرم الأشخاص من كل قول أو عمل من شإنه إثارة الفتنة أو النعرات أو من توجيه كلام نابٍ إلى الآخرين عبر شبكة الانترنت أو غيرها من الوسائل المسموعة أو المرئية تحت طائلة دفع غرامة قدرها 250000 درهم، ومواجهة عقوبة السجن، وفي حالة المواطنين غير الإماراتيين، يمكن أن يتم ترحيلهم إلى بلادهم. وفي السياق عينه، حفاظاً على اللياقة في التخاطب، كل من ينشر إشارات يدوية مسيئة من خلال الرموز التعبيرية أو ما يُعرَف بالـ«إيموجي» (تعبيراً عن المشاعر) معرَّض للملاحقة القانونية.

عنونت صحيفة «إكسبرس» البريطانية خبراً لها عن قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية: «غير قابل للتصديق إنما حقيقي». لا شك في أنه قانون فريد من نوعه، لكنه منطقي تماماً. ما الذي يمنع حظر الإساءات التي تُلحق الأذى بمشاعر الآخرين؟ يجب أن تكون الإساءة إلى مشاعر الآخرين من المحظورات الاجتماعية، كما كان الحال في زمن أجدادنا عندما كان الأولاد يتربّون على التصرّف بتهذيب ودماثة. كانت مثل تلك السلوكيات ممنوعة منعاً باتاً في صباي، ومن أجل الحفاظ على الأعراف الاجتماعية، يجب إعادة فرض مدوّنة لقواعد السلوك.

خلاصة القول، لا وجود لشرطة الفكر، وإذا كان الأشخاص يريدون أن يتركوا أحقادهم الشخصية تعتمل وتستشري في عقولهم، فهذا شأنهم شرط ألا يلوّثوا أرضنا بتلك الأحقاد أو يحاولوا نقل العدوى إلى الآخرين. تنوُّع الآراء أمرٌ مرحَّب به، فهو يساهم في إغناء نسيج الحياة. جل ما نطلبه في الإمارات العربية المتحدة هو أن يتم التعبير عن هذه الآراء في أجواء من الاحترام المتبادل. ومن يعتبر أننا نطلب الكثير، ننصحه بأن يبدأ بتوضيب أمتعته.

Email