بين هافانا والقدس

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما الذى يجعل إقامة علاقات دبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا «صفعة» لإسرائيل؟! هذا ما قاله أحد مرشحي الرئاسة الأميركية السناتور الجمهوري تيد كروز! فبمجرد أن أعلنت إدارة أوباما فتح سفارة لها في هافانا نهاية الشهر الجاري، صرح كروز بأن تلك الخطوة «غير مقبولة وصفعة على وجه حليف» قوي، لأن «الولايات المتحدة ستفتح سفارة لها في هافانا قبل أن تفتح واحدة في القدس»! ولا تشغل نفسك، عزيزي القارئ، بأن وضع هافانا ليس كوضع القدس دولياً، ولا بأن القدس ليس معترفاً بها دولياً كعاصمة لإسرائيل، فتلك مسائل على ما يبدو لا تشغل كروز وسياسيين أميركيين غيره! وتيد كروز، ذو الأصول الكوبية، معارض لتطبيع العلاقات الأميركية الكوبية، كالكثير من أعضاء الكونغرس من أصول كوبية.

وهم قالوا صراحة إنهم سيوقفون أي محاولة لتعيين سفير لأميركا لدى كوبا، والتي تحتاج لموافقة مجلس الشيوخ. كما قاد بعضهم في مجلس النواب كتابة نص في مشروع اعتمادات وزارة الخارجية، يحظر تخصيص أموال لبناء سفارة لأميركا في هافانا.

لكن المهم في هذا السياق، واللافت للانتباه، هو أن أغلبية أعضاء الكونغرس ذوى الأصل الكوبي من أقوى أنصار إسرائيل. فالموقف الذي عبر عنه تيد كروز بخصوص القدس، هو نفسه موقف مرشح آخر للرئاسة من أصل كوبي، هو السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وموقف السناتور الديمقراطي روبرت مينينديز. وإليانا روس ليتينين وماريو دياز بالارت، الجمهوريان في مجلس النواب، من أهم أنصار إسرائيل أيضاً.

فعلى سبيل المثال، بمجرد أن بدأت أعمال الكونغرس الجمهوري في يناير، كان تيد كروز قد تزعم كتابة مشروع قانون جديد سمي «قانون السفارة والاعتراف بالقدس»، يهدف أساساً لتعديل قانون نقل السفارة الأميركية للقدس، الذي صدر في التسعينيات، دون أن يوقعه كلينتون.

فقانون التسعينيات، صدر بأغلبية هائلة من المجلسين، الأمر الذي جعل استخدام كلينتون لحق الفيتو بلا معنى، لأن كلا المجلسين كان يملك أغلبية الثلثين الكافية لإلغاء الفيتو الرئاسي. لذلك، فضل وقتها كلينتون استخدام إجراء آخر في يد الرئيس، وهو أن يمتنع عن التوقيع أو الفيتو حيال مشروع القانون خلال الأيام العشر المتاحة له بعد إقراره من الكونغرس. وفى تلك الحالة، يصبح المشروع قانوناً دون توقيع الرئيس. وهو إجراء دستوري يلجأ له الرؤساء الأميركيون حفاظاً على هيبتهم، بدلاً من التصويت بالفيتو المعرض حتماً للإلغاء.

لكن قانون نقل السفارة الأميركية للقدس لعام 1995، كان ينص على إعطاء الرئيس ما يسمى «بالإعفاء» من التنفيذ، وهو إجراء يمنحه الكونغرس للرئاسة في كثير من القوانين الخاصة بالسياسة الخارجية، إذا ما قدم للكونغرس شهادة تتعلق بأن التنفيذ من شأنه أن يهدد الأمن القومى أو المصالح الحيوية الأميركية، وهو الإعفاء الذي استخدمه كلينتون ثم بوش الابن وأوباما لتأجيل نقل السفارة.

وهذا الإعفاء هو بالضبط ما أراد الجمهوريون إلغاؤه بمشروع قانون «الاعتراف والسفارة»، والذي نص أيضاً على إجبار وزارة الخارجية الأميركية على الاعتراف في وثائقها بالقدس كعاصمة لإسرائيل.

لكن المحكمة العليا أصدرت الشهر الماضي حكماً، رفضت فيه إعطاء مواليد مدينة القدس الحق في وضع «إسرائيل» في خانة الدولة التابع لها محل الميلاد. بل، وحسمت الجدل حول أحقية الرئيس في مسألة «الاعتراف»، إذ جاء على لسان القاضي، المحافظ بالمناسبة، أنه «خلال المئة عام الأخيرة، نادراً ما ثار الجدل حول سلطة الرئيس في الاعتراف بالدول الأجنبية».

ومن خلال متابعة مسار اللوبي الكوبي في الولايات المتحدة عبر تاريخه، بدأت مناصرة الكوبيين الأميركيين لإسرائيل، في تقديري، بدراستهم للوبي إسرائيل في واشنطن. فمن المعروف أن «الهيئة العامة للكوبيين الأميركيين»، اللوبي الكوبي الرسمي لسنوات طويلة، والذي سعى لتشديد الحظر الأميركي على كوبا أملاً في إسقاط نظام كاسترو، نشأ في عام 1981، بإيعاز من إدارة ريغان التي كانت تبحث عن غطاء سياسي داخلي للعمل العلني والسري لإسقاط نظام كاسترو.

فهي أرادت منظمة كوبية قوية تدافع عن ذلك الموقف. فنصح ريتشارد آلان، مستشار ريغان للأمن القومي، جورج ماس كانوزا مؤسس الهيئة ورئيسها وقتها، بضرورة دراسة إيباك، لوبي إسرائيل، والتعلم من فاعليته في التأثير السياسي.

فلم يكن هناك أفضل من إيباك كنموذج يحتذى، باعتباره أقوى جماعة لوبي تعمل في مجال السياسة الخارجية. وفى تقديري، تأثر الكوبيون الأميركيون كثيراً بنموذج إيباك، وأعجبوا به وقلدوه، وبالتالي، تعاطفوا مع مواقفه تجاه إسرائيل. وحين انهارت الهيئة العامة للكوبيين الأميركيين، صار من يقوم بالدور نفسه المناهض لأي تحسن في العلاقة مع كوبا، هم أعضاء الكونغرس من أصول كوبية.

ومن هنا، صار أولئك الأعضاء الكوبيون الأميركيون، من أهم أنصار إسرائيل. المفارقة الجديرة بالتأمل، أن إسرائيل كانت تتخذ موقفاً مناهضاً لكوبا في الأمم المتحدة، من باب دعم أميركا، لا أكثر. وحين تغير الموقف الأميركي، صارت على استعداد لعلاقات عادية مع كوبا دون أن يؤثر ذلك في مواقف أعضاء الكونغرس من أصل كوبي تجاه إسرائيل، على الأقل حتى الآن!

Email