عنصريون بلا حدود

ت + ت - الحجم الطبيعي

فى لحظة فارقة واحدة ، كشف المهووسون الصهاينة الاسرائيليون عن توجهاتهم العنصرية ، تجاه كل من الفلسطينيين العرب من جهة وبعض مواطنيهم اليهود من جهة أخرى. حدث ذلك حين تزامن قرار وزير الدفاع موشى يعلون بمنع العمال الفلسطينيين من ركوب الحافلات التى يستخدمها مستوطنو الضفة ، مع انتفاض يهود الفلاشا وتظاهرهم احتجاجا على التمييز الجاري بحقهم على أكثر من صعيد .

بهذه السلوكيات العنصرية المزدوجة ، الموجهة الى أبناء المجتمع الأصيل وبعض المنتمين للرحاب اليهودية ، يؤكد فريق من النخب الصهيونية الملتاثة ، تفوقهم فى مراتب التمييز العنصرى قياسا بالنازيين.. اذ لايعرف عن هؤلاء الأخيرين أنهم مارسوا عنصريتهم أثناء الرايخ الثالث ضد جماعة من الآريين . وعليه ، فان الصهيونية تبدو جديرة بكونها أعلى مراحل العنصرية.

هذا المقام يوجب الاشارة الى ان تجليات العنصرية الصهيونية المزدوجة ومظاهرها ، لاتعود الى أيامنا هذه فقط .. ففى ثلاثينات القرن الماضى وأربعيناته ، مد بعض الصهاينة الآباء المؤسسين حبال الود والتعاون مع النازيين والفاشيست ، طمعا فى اجبار يهود أوروبا على مغادرة مواطنهم الأم.

وفى اطار هذا التآمر ، كان الشرط الصهيونى الأبرز ، هو أن تكون فلسطين بالتحديد وحصريا ، هى وجهة المغادرين مع السماح لهم باصطحاب أموالهم ومتاعهم بين يدى هذه المغادرة النهائية .

للانصاف ، أعرب بعض الصهاينة ، الأكثر حنكة ومراسا ، عن دهشتهم من يعلون وقراره البغيض.. الأمر الذى ساق رئيس الوزراء نتنياهو الى التدخل ووقف تنفيذ القرار. لكن الانصاف يقتضى أيضا التنويه الى ان هذ الغضبة جاءت على خلفية الوعى بالآضرار الجسيمة؛التى يلحقها تصرف يعلون العنصرى الفج بصورة اسرائيل الدولة.

تذكرنا هذه الزوبعة بما جرى منذ عامين ، عنما استاء بعض الصهاينة من منع نقل دماء اليهود الفلاشا الى غيرهم من اليهود فى اسرائيل . فالاحتجاج هنا على عزل الفلسطينيين فى حافلات خاصة بهم وعلى رفض دماء الفلاشا ، لايتعلق بالانتصار لحق المساواة ونبذ التفرقة العنصرية بين اليهود والعرب أو بين يهود ويهود ، وانما يأتي مراعاة للصورة الذهنية المبثوثة للعالم عن اسرائيل و« ديمقراطيتها الاستثنائية فى الشرق الأوسط».

يقول بن درور فى يديعوت أحرونوت (21/5/2015) ان «..الفصل بين اليهود والفلسطينيين ، كما هو الحال فى شارع الشهداء بمدينة الخليل، يلحق ضررا هائلا باسرائيل ، أكبر بكثير من منفعته الأمنية.. هذا ليس أبارتهيد ولكن العالم ينظر اليه كأبارتهيد!..». كأن سياسات التمييز العنصري مسموح بها لدى أصحاب هذا المنطق ، شريطة ألا يشعر بها الخلق ، كي لا يتوسلون بها للتشهير بإسرائيل.

المعنى ذاته يردده ايلاخ سيجان فى معاريف ( 21/5/2015) .. فهو يعتقد أن «.. المشروع التجريبي للسفر المنفصل للفلسطينيين والاسرائيليين فى الباصات ، لاينطوي على الأبارتهيد كما كان فى جنوب أفريقيا.ولكنه يقدم ذريعة لأبو مازن ورفاقه لوسم سياسات اسرائيل بالأبارتهيد..». ويصل التبجح بأصحاب هذه الآراء الى التشديد على أن «.. اسرائيل خالية من القوانين العنصرية..».

من الناحية الفقهية ، ينحدر العنصريون عموما الى الدرك الأسفل ، حينما يعتنقون الفكر العنصري نظريا ويطبقونه عمليا ، وهم يحسبون انهم أناس أسوياء.. ففى هذه الحالة يمسي التمييز العنصري مكونا عضويا ، هيكليا ، فى طباعهم . وتقديرنا أن الشطر الأعظم من الصهاينة الاسرائيليين يعيشون هذه الحالة بالفعل.. الحالة التي تدفعهم الى الاستعماء عن جدار الفصل الاستيطاني العنصري ..

وتقسيم الحرم الابراهيمي فى الخليل ، ومطاردة المعالم العربية الاسلامية والمسيحية فى القدس لصالح عمليات التهويد ، والرغبة العارمة فى تخصيص طرق ووسائل نقل ومهن ومصادر مياه وموارد اقتصادية ، بل وأحياء بعينها للفلسطينيين ، تمييزا لهم عن اليهود ..

يضطلع العنصريون الاسرائيليون بكل هذه الاجراءات ونحوها مع المجتمع الفلسطيني ، ويشتكي يهود الشرق والفلاشا من ممارسات تمييزية مقيتة ، مع انهم يزعمون التحسب للفضائح التي قد يسببها لهم اعلام عصر الفضاءات المفتوحة. ترى ما الذي كان هؤلاء فاعليه من موبقات عنصرية أخرى ، لو انهم غفلوا أكثر عن هذه الفضائح ؟.

. لكن أحد مشكلات العنصريين الاسرائيليين ان عنجهيتهم تستدرجهم أحيانا الى حيث يغفلون عن مراقبة أهوائهم ومواقفهم وألسنتهم . انهم كالمريب الذين يكاد يقول خذوني !..

 

Email