دبي زمان.. هل تكسب الرهان؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

هاتفني قبل أيام صديق عزيز، مبدياً إعجابه الشديد بقناة «دبي زمان» التي أطلقتها «شبكة قنوات دبي» قبل شهر تقريباً، متمنياً أن تحقق القناة رغبته في الاستماع، خلال شهر رمضان المقبل، إلى ابتهالات المرحوم الشيخ سيد النقشبندي، أستاذ المداحين وأشهر المنشدين الدينيين والمبتهلين في تاريخ الإنشاد الديني..

والذي غدا أحد أهم ملامح شهر رمضان المبارك في منتصف ستينات القرن الماضي، بعد أن التقى به مصادفة الإذاعي المرحوم أحمد فراج عام 1966 في مسجد الحسين بالقاهرة، وسجل معه لبرنامج «في رحاب الله»، ثم سجل العديد من الأدعية لبرنامج «دعاء» الذي كان يذاع يومياً عقب أذان المغرب، ليصافح صوته آذان الملايين وقلوبهم خلال فترة الإفطار.

نقلت رغبة الصديق العزيز إلى الزملاء في شبكة قنوات دبي، فأبدوا حماساً كبيراً للفكرة، وشرعوا في العمل على تنفيذها، بعد أن أضفت إليها اقتراحاً ببث حلقات برنامج «على مائدة الإفطار» للمرحوم الشيخ علي الطنطاوي، أحد أشهر وأظرف من قدم البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون..

حيث كان برنامجه الشهير، الذي كان ينتجه التلفزيون السعودي، يجمع الكبار والصغار حول جهاز التلفزيون قبل أذان المغرب خلال شهر رمضان المبارك، وظل هذا البرنامج على مدى سنوات عديدة معلماً من معالم الشهر الفضيل، لا يتصور المشاهدون رمضان دونه، قبل أن يعتكف في بيته في السنوات العشر الأخيرة من حياته..

وينتقل إلى الرفيق الأعلى منتصف عام 1999، لتنتهي بذلك رحلة ترافق فيها الشيخ الجليل، عليه رحمة الله، مع أبناء جيل كامل، عرفوه على سجيته عالماً جليلاً، وأديباً مبدعاً، ومحدثاً ظريفاً قريباً من القلوب والنفوس.

هذا الشغف بكل ما هو قديم، سر اكتشفه الزملاء في «شبكة قنوات دبي» بعد إطلاق قناة «دبي زمان» التي لقيت إقبالاً كبيراً من جمهور المشاهدين، ربما لم يكن يتوقعه الزملاء في قطاع القنوات بمؤسسة دبي للإعلام قبل أن يطلقوا هذه القناة..

حيث فاجأهم اهتمام الجمهور بها في وسائل التواصل الاجتماعي، وطلباتهم عرض مواد قديمة، عاصرها بعضهم، وسمع عنها البعض الآخر، الأمر الذي كانت له دلالات كثيرة؛ أهمها هذا الحنين الجارف إلى الماضي، وهو حنين له ما يبرره لدى الجيل الذي عاصر تلك البرامج والمسلسلات، يستعيد معها مرحلة من حياته لها زهوها وأحداثها وذكرياتها التي لن تعود..

لكن هناك جيلاً أقبل على برامج القناة، لم يعش تلك الفترة، ولم تشكل مرحلة من حياته. انجذاب هذا الجيل لبرامج هذه القناة وما تعرضه هو ما يثير الاستغراب، ويدفع إلى التساؤل عن سر اهتمامه بقناة «دبي زمان» الجديدة القديمة.

قرأت قبل فترة أن ورشة عمل عُقِدت في الإمارات لإعادة إنتاج برنامج الأطفال الشهير «افتح يا سمسم» الذي أنتجت الجزء الأول منه مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي عام 1979، والذي يمثل النسخة العربية من البرنامج الأميركي الشهير «شارع السمسم» المنتَج عام 1969، مع تحوير بعض شخصيات البرنامج الأميركي كي تتواءم مع البيئة العربية.

وقد شكل البرنامج وقتها نقلة كبيرة في مفهوم برامج الطفل، فأصبح وسيلة تربوية وتعليمية للأطفال، قدم لهم المعلومة في قالب مشوق، وزرع فيهم المفاهيم الأخلاقية بطريقة غير مباشرة، وعلمهم الأرقام والحروف والكلمات المستخدمة في الحياة اليومية، وعرّفهم ببعض مناطق الوطن العربي وأشهر معالم دوله.

وحظي البرنامج وقتها بمتابعة الكبار والصغار، الأمر الذي جعل المؤسسة تنتج جزءًا ثانياً منه عام 1982، وجزءًا ثالثاً عام 1989، وقد كان لي شرف المشاركة في الحلقات الدراسية والعلمية التي عُقِدت قبل إنتاج هذين الجزءين، مع عدد من خبراء التربية والتعليم والإعلام وعلم النفس، وتخصصات مختلفة لها علاقة بتربية النشء وتعليمهم، غير أن عرض الجزء الثالث لم يكتمل بسبب احتلال العراق للكويت عام 1990.

التفكير في إنتاج جزء رابع من برنامج «افتح يا سمسم» مع الاحتفاظ بشخصياته الرئيسية المعروفة؛ نعمان وملسون وأنيس وبدر وكعكي وقرقور والضفدع كامل، والمعلمة فاطمة وزوجها حمد النجار، والكهربائي هشام، والدكتورة ليلى ووالدتها، والعم عبدالله البائع..

وخليل صاحب المطعم، مع إضافة بعض الشخصيات الجديدة، هذا التفكير لا يمثل حنيناً إلى الزمن الجميل فقط، وإنما هو اعتراف بأن ثمة أعمالاً تمثل علامة فارقة في تاريخ العمل التلفزيوني، تركت بصمة من الصعب نسيانها، رغم التقدم الهائل الذي شهده التلفزيون منذ تلك الفترة وحتى اليوم، وهو دليل أيضاً على أن العمل الناجح يظل ناجحاً ومؤثراً مهما تقادم الزمن، أو تغير الجيل الذي شاهده.

«دبي زمان» التي حققت نجاحاً باهراً خلال فترة زمنية قصيرة، مرشحة لتحقيق المزيد من النجاح، وحصد المزيد من المتابعين، مع أن كل المواد التي تعرضها هي من أرشيف التلفزيون الذي لم يلق على مدى السنوات الماضية العناية والاهتمام اللذين يستحقهما، رغم الأهمية التي يمثلها هذا الأرشيف، والتي بدت واضحة مع إطلاق هذه القناة التي شكلت إضافة نوعية لشبكة قنوات دبي بشكل خاص..

وللقنوات التلفزيونية العربية بشكل عام. ولأن شهر رمضان المبارك أصبح على الأبواب، والتنافس على المشاهدين في هذا الشهر مشروع في عرف التلفزيونيين، فإن الزملاء في «شبكة قنوات دبي» يراهنون على أن قناة «دبي زمان» ستسحب البساط من تحت أقدام القنوات التلفزيونية الأخرى، رغم الإمكانات المتاحة لهذه القنوات، وشح الأرشيف التلفزيوني، فهل تفعلها «دبي زمان» وتكسب الرهان؟

هذا ما ننتظره جميعاً في شهر رمضان.

 

Email