بين الحياد الروسي .. والحياد الباكستاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يفاجئني الموقف الباكستاني من أحداث اليمن و«عاصفة الحزم»، ولم يسبب أي انزعاج على الإطلاق!

عدم المفاجأة يأتي من أن الموقف الباكستاني لا يختلف عن موقف دول عربية شقيقة تعودت أن تتفرج على الأحداث وتترك لغيرها مهمة التعامل معها، أو ما زالت تتصور أن نيران الخطر التي تشتعل في المنطقة يمكن أن ينجو منها أحد إذا لم تحسم الأمور ويضرب الإرهاب، أو ما زالت تراهن على أن الغياب هو أفضل الحلول للهرب من تبعات اتخاذ المواقف المسؤولة!

الموقف الباكستاني، يعلمنا الدرس الذي تأخر الكثيرون في استيعابه، وهو أنه لا أمن ولا استقرار للدول العربية إلا إذا امتلكنا القدرة العربية على تحقيق ذلك، ولا يعني ما نقوله أننا نستغني عن الأصدقاء أو أننا لا بد أن نوفر لأنفسنا كل دعم ممكن من العالم كله، ولكن لا بد أن يكون مفتاح تحقيق أمننا واستقرارنا في يدنا نحن، وليس غيرنا!

ولن أعيد هنا ما سبق أن قلناه عن فشل كل محاولات الحماية الخارجية أو الاعتماد على القواعد العسكرية أو الغطاء السياسي من قوى الخارج، والتي انتهت بالقول الذي لا ينسي من الذين تصوروا أن الاستعانة بالقوة الأعظم هي الحل، ثم عادوا ــ قبل السقوط أو بعده ــ ليقولوا بكل حسرة إن المتغطي بأميركا عريان!

لن نعيد هذا الحديث، ولكن فقط علينا هنا أن نتذكر أمرين:

** الأمر الأول أن ما وصلت إليه الأحوال في العالم العربي لم تكن بسبب أعدائنا، بل بسبب الضعف العربي والتشرذم الذي انتهى بالغياب عن الفعل، وبفراغ الساحة العربية لكل القوى الأجنبية لكي تمد نفوذها أو توسع مصالحها على حسابنا، بينما البعض منا يسقط (عمداً أو غفلة) في مستنقع الاقتتال الداخلي، أو يبحث عن الحل من الخارج، وكأنه لم يقرأ التاريخ ولم يقاسِ ويلاته.

** والأمر الثاني أن الحل لقضايانا لا بد أن يكون عربياً، وأن امتلاكنا للقوة هو فقط الذي يحمينا، وهنا ينبغي التأكيد على أننا حين نتحدث عن الحل فنحن نتحدث عن الحل الشامل وليس فقط عن الحل العسكري، وحين نتحدث عن امتلاك القوة، فإننا نقصد القوة بكل عناصرها السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية مع القوة العسكرية وربما قبلها.

ومرة أخرى ينبغي التأكيد على أن ما نقوله هنا لا يعني الاستغناء عن دعم الأصدقاء ولا البحث عن كل ما يساعدنا عند الجميع، لكن ذلك ينبغي أن يتم انطلاقاً من عروبة المعركة التي نخوضها، ليس فقط انتصارا لأشقائنا في اليمن أو غيرها من بلادنا العربية المنكوبة، ولكن ــ أساساً ــ ننهي غيابنا ولكي نتجاوز هذه المرحلة التي أغرت كل القوى الطامعة في أرضنا أو ثرواتنا أن تحاول التمدد والتوسع على حسابنا وفي فراغ لن تملأه إلا القوة العربية وحدها.

ومن هنا كان اللجوء لمجلس الأمن، وكان القرار المهم الذي صدر بعد معركة انتصرت فيها الدبلوماسية العربية، ليجيء القرار الذي وضع الحوثيين وعلي عبد الله صالح تحت أحكام الفصل السابع، وفرض حظر السلاح على جماعة الحوثيين وترك المجال واسعاً للمزيد من العقوبات إذا لم يرتدع الحوثيون وصالح للإرادة الدولية ويعيدوا اليمن لحكم الشرعية. صدور القرار بما يشبه الإجماع، وبامتناع روسيا عن التصويت الذي يعتبر في حقيقته تأييداً للمسار العربي وعاصفة الحزم، وتخلياً عن الانحياز لحلفاء أساءوا التصرف، وتصوروا أن تصالحهم مع الأميركان يفتح أمامهم أبواب التوسع، والعدوان على جيرانهم ومحاولة بسط نفوذهم على المنطقة.

وهنا نأتي أيضاً إلى معنى أساسي ومهم في حرصنا على عروبة المعركة من أجل استعادة الشرعية في اليمن وقهر التدخل الأجنبي والإرهاب المنحط في كل أنحاء الوطن العربي، وما نقصده هو أن العروبة لا تهدد ولا تبدد، ولا تستغل دعم الشرعية الدولية في التدمير، بل في تجنب الدمار وفي مواصلة السعي لإقناع الخارجين عن الشرعية في اليمن بأن يعودوا لرشدهم ولطاولة المفاوضات، ولإقناع القوى الإقليمية بأن تتوقف عن التدخل في الشأن العربي والسعي لتوسيع النفوذ ودعم الانشقاقات وبذر بذور الفتنة بين الأشقاء في العالم العربي، ورعاية عصابات الإرهاب والمتاجرة بالدين الحنيف، لأن حصيلة كل ذلك لن تكون في صالحها، ولأن رهانها على استمرار غياب العرب ( أو غيبوبتهم) والذي نجح لسنوات، قد آن له أن يبلغ نهايته، بعد أن استيقظ العرب ليجدوا أن الخطر لم يعد بعيداً عن أحد منهم، وأنه لا بديل عن المواجهة، وعن الانتصار فيها.

شيء مهم أن يتكامل العمل الدبلوماسي مع العمل العسكري لدعم إرادة شعب اليمن ولمواجهة مخططات التدخل الأجنبي في المنطقة، وعلينا أن نواصل الضغط من أجل حل سياسي سيقترب بمقدار قدرتنا على حسم الصراع، وهنا ينبغي التأكيد على أمرين، أولهما: أن ما يجري في اليمن لا يمكن أن يكون بعيداً عما يجري في العالم العربي، وأن الصراع واحد وممتد من سوريا والعراق إلى ليبيا وسيناء.

وثانيهما: أن يكون واضحاً لدينا أنه من الضروري أن نمتلك رؤية شاملة لما نريده لوطننا العربي بعد عبور الأزمة بإذن الله، رؤية تتواقف عليها الدول العربية الأساسية التي تخوض الحرب الآن ضد الإرهاب وضد التدخل الأجنبي، وضد محاولات البعض لمد النفوذ وإشعال الفتنة. لهذا نقول: إن هذه معركة العروبة ضد كل أعدائها، حقيقة كان أعداؤنا يفهمونها طوال الوقت ويتصرفون على أساسها بينما كنا نمعن في الغياب، وقد آن لكل ذلك أن ينتهي!

 

Email