أزعر الحي!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد السؤال متى تتحرر فلسطين، ولا متى يتوحد العرب، فهذه تساؤلات رومانسية في عالم عربي واقعي وقع على كتفه فانكسر رأسه وتحطمت ضلوعه وانحنى ظهره، وصار يزحف على بطنه طلباً للنجاة. بطون أكلها الجوع وأخرى أطبق عليها الظهر لشدة ما تعرض للضرب والضغط من الدول الكبرى والوسطى، وتلك التي في طور النمو النووي.

من يسأل عن فلسطين اليوم وقد تعددت الفلسطينات العربية وأصبحت محتلة بصورة أو بأخرى، من محتل أو أكثر، من خارج الحدود أو من الداخل، بالطائرات الحربية المتسارعة أو بالتيارات السياسية المتصارعة، لكأن الأرض ساحة حرب والمدن أمهات يلملمن أطفالهن خوفاً من قادم مجهول..

والآباء يلهثون وراء لقمة خبز أو قطعة سلاح يدافعون بها عن أبنائهم إن وقعت الواقعة وسقط في الحي برميل متفجر، أو أراد القناص في زاوية الشارع أن يمارس هوايته في إصابة جسد امرأة خرجت للتو لتحضر الخبز لبناتها أو عجوز وحيدة ترتجف من شدة البرد وثقل العمر.

فلسطين التي منها بدأ انتشار السرطان إلى باقي الجسم العربي تبتعد أكثر رغم أن المسافة بينها وبين أي عاصمة عربية هي ذاتها لم ولن تتغير. لم تشفَ فلسطين بل العواصم العربية مرضت. جنوحهم للسلم مع إسرائيل كسر أجنحتهم واعتمادهم على من بيده 99% من أوراق الشرق الأوسط لم يفدهم في لعبة الأمم وكانوا هم وحدهم الخاسرين.

وها هو «أزعر الحي» نتنياهو يتمرد على أميركا ويتعامل مع واشنطن كما لو كانت ضاحية من ضواحي تل أبيب، ومع الرئيس أوباما وإدارته كما لو أنه رئيس بلدية حيفا أو عسقلان أو بئر السبع. إذ بلغت بنتنياهو الوقاحة أن يحدد موعد زيارة لواشنطن بالترتيب مع تجمع المنظمات اليهودية الأميركية «أيباك» لإلقاء كلمة في مؤتمرها السنوي وليس مع إدارة أوباما وفقاً للبروتوكول والأصول الدبلوماسية.

 واشنطن لا تجرؤ على إغضاب إسرائيل لعدة أسباب منها أولاً: عقدة أو بالأحرى كذبة الهولوكست ومعاداة السامية، وثانياً نفوذ اللوبي اليهودي في أميركا وتأثيره في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية أو حتى لانتخاب رئيس ناد أو مجلس مقاطعة أو حي. وثالثاً غياب أي تأثير عربي يوازي التأثير اليهودي.

وهذه قصة قديمة تتجدد. فلا أحد يتحدث الآن عن أحياء مفاوضات السلام. فمنذ كامب ديفيد 2000 وأنابوليس 2007، وواشنطن خلال ولايتي أوباما الأولى 2009- 2012 مع جورج ميتشل، والثانية منذ 2013 حتى يومنا مع جهود جون كيري وجولاته المكوكية خلال فترة التسعة شهور من يوليو 2013 حتى نهاية إبريل 2014، تعلن الإدارات الأميركية المتعاقبة أن هدفها التوصل إلى تسوية واقعية ومعقولة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلا أن شيئاً لم يتحقق..

حيث تصطدم الجهود الأميركية بالتطرف الإسرائيلي الذي يسعى إلى إلغاء وطن الفلسطينيين، وتغيير معالمه العربية والإسلامية والمسيحية، وجعل فلسطين وطناً إسرائيلياً خالصاً لليهود، وبالتالي عدم الاستجابة لحقوق ولو جزئية للشعب الفلسطيني.

لقد وصلت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية تحت الرعاية الأميركية إلى طريق مسدود، ودللت نتائجها على عجز واشنطن المفرط عن تحقيق غرضين أولهما ممارسة دور ضاغط على حليفتها تل أبيب نحو التجاوب مع استحقاقات التسوية، رغم امتلاكها لأوراق مهمة تؤهلها لممارسة هذا الضغط على تل أبيب..

وثانيهما عدم قدرتها على اتخاذ موقف متوازن ومعتدل ووسطي غير منحاز للكيان الإسرائيلي، فدورها كان دائماً وفي كافة محطات التفاوض في عهود كلينتون وبوش وأوباما، يسير باتجاه تلبية المصالح الإسرائيلية، ودعم توجهات تل أبيب الاستيطانية وقد تمأسس هذا الالتزام بين بوش وشارون في أبريل 2004، وفي بيان الكونغرس المتضمن حماية الاتفاق الاستراتيجي بين واشنطن وتل أبيب.

من سخريات القدر أن يصبح العالم كله تحت سيطرة إمبراطورية واحدة ليس لها قلب، ورثت الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي والاتحاد السوفييتي.. وأصبحت تملك مفاتيح كنوز الدنيا العلمية والاقتصادية والعسكرية. إلا أن الخير للعالم العربي ليس في قاموسها، ولا نعرف إذا كان هذا مسلمة قدرية منذ نشوء إسرائيل في قلب العالم العربي سنة 1948، لا تغيير فيها، أم أنها تقصير من العرب؟

وبالرغم من سوداوية الحال العربي أحياناً، وضبابيته أحياناً أخرى، إلا أن الطريق الذي انفجرت فيه ألغام الفتنة والتمزيق، مازال قابلاً للترميم والتجديد ليعيد العرب إلى جادة الصواب وصولاً إلى الأمن والأمان، إنه ذاته طريق لم الشمل والتوجه إلى القدس وفلسطين، وليذهب «أزعر الحي» من حيث جاء هو وشذاذ آفاق الكون!

 

Email