أريد ديناً حسب مزاجي

ت + ت - الحجم الطبيعي

«علي عبيد في جريدة البيان، يريد ديناً حسب مزاجه». هكذا غرد أحد الأخوة في حسابه على «تويتر»، معلقاً على المقال الذي كتبته في هذا المكان قبل ثلاثة أسابيع، وطالبت فيه بتنقية مناهجنا التعليمية من بعض كتب الفقه الإسلامي القديمة التي ما زالت تدرس حتى يومنا هذا في المعاهد الأزهرية في مصر، وفي بعض مدارس الدول العربية والإسلامية، وتجديد الفقه الإسلامي، بتخليصه مما لم يعد يتفق مع العصر وواقع المسلمين الآن.

ضارباً المثل بحديث بعض هذه الكتب عن «أهل الذمة» الذين يعيشون في ديار المسلمين، ومطالبتها بتمييزهم عنا بأن يخيط الواحد منهم بموضع لا يعتاد الخياطة عليه، كالكتف، على ثوبه الظاهر، ما يخالف لونه لون ثوبه، وإلزامهم بشد الزنار على وسطهم فوق الثياب، وإذا دخلوا حماماً فيه مسلمون.

أو تجردوا عن ثيابهم بين المسلمين في غير حمام، أن يجعل كل واحد منهم في عنقه خاتماً من حديد أو رصاص أو غير ذلك، عدا الذهب والفضة، وأن يمنعوا من ركوب الخيل في بلاد المسلمين، وأن يلجؤوا عند زحمة المسلمين إلى أضيق الطرق، وأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، ولو سلم أحدنا على رجل ظنه مسلماً فتبين له أنه كافر، فإنه يُستحَبّ له أن يسترد سلامه منه!

أسأل أخي المغرد الكريم: إذا سلمنا بوجوب معاملة «أهل الذمة» على هذا النحو، وهم في المصطلح أهل الكتاب، أو غير المسلمين الذين يعيشون في ديار الإسلام، فماذا لو عاملنا الذين يعيشون في ديارهم منهم بالمثل، ففرضوا على أبنائنا الذين نرسلهم للدراسة في جامعاتهم أن يميزوا أنفسهم عنهم بوضع شرائط ملونة على أكتافهم، ولبس أطواق من حديد أو رصاص في أعناقهم عندما يرتادون شواطئهم؟ وطبقوا ذلك على الذين يشدون الرحال منا إليهم طلباً للعلاج في مستشفياتهم، أو للتمتع بطقس بلدانهم، أو عقد الصفقات التجارية مع شركاتهم ومصانعهم؟

وماذا لو منعونا من ركوب السيارات والقطارات في بلدانهم، وفرضوا علينا ركوب الدراجات أو «التكتوك» في شوارعهم؟ وحرمونا من المشي في «الشانزليزيه» و«أكسفورد» و«فيفث أفينيو»، واضطرونا إلى الشوارع الخلفية الضيقة؟ ألن نشنّ عليهم حملات في كل مكان؟ ألن نشكوهم إلى جمعيات حقوق الإنسان؟ ألن نرفع الأمر إلى المحاكم الدولية، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي الذي يسيطرون هم عليه أصلاً؟.

تصور يا أخي لو أنك فتحت كتاباً من كتب أي ديانة أو ملة، وقرأت فيه أنه يحل لصاحبها إذا جاع ولم يجد ما يأكله أن يقتل مسلماً أو مرتداً، حتى لو كان صغيراً أو امرأة ويأكل لحمه، وأنه يجوز له أن يقتل مذنباً أو تارك عبادة، أو شخصاً عليه قصاص، دون إذن الحاكم، لأن قتل هؤلاء مستحق، واستئذان الحاكم في غير حال الضرورة، إنما هو من باب التأدب مع الحاكم.

وحال الضرورة ليس فيها رعاية أدب، مثلما تقول تلك الكتب؟! ألن تقول: أي دين هذا الذي يحث أتباعه على أن يكونوا قتلة وآكلي لحوم بشر؟! أليس قتل النساء والأطفال وسفك الدماء بالسيولة التي نشاهدها هذه الأيام على أيدي المنتسبين للجماعات المتشددة من نتاج هذه الثقافة الدينية المستمدة من تلك الكتب؟

دعنا يا أخي من المكابرة ودفن الرؤوس في الرمال، والقول إن هذه الجماعات لا تمثل الإسلام، فالحقيقة أن هذه الجماعات تمثل الإسلام في نظر أصحابها، وأنظار عدد غير قليل من المسلمين وغير المسلمين، لكنه ليس الإسلام الحقيقي السمح الذي جاء به نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم.

وإنما هو الإسلام المتشدد الذي تقدمه لنا بعض الكتب التي تم تأليفها في عصور تختلف عن عصرنا هذا، لمخاطبة أناس مختلفين عنا، في ظروف لا تتشابه مع الظروف التي نعيشها اليوم، وتفرض علينا التعامل بأسلوب مختلف وفكر منفتح، ومزاج لا علاقة له بأمزجتنا الشخصية.

وإنما بطبيعة العلاقة التي تربطنا بأولئك الذين نرسل أبناءنا للدراسة في جامعاتهم، ونستورد منتجات مصانعهم، ونستخدم آخر مخترعاتهم، ونبحث عن الشفاء على أيدي أطبائهم، ويسعى بعضنا جاهداً للهجرة إلى بلدانهم، ثم نرفع بعد ذلك أيدينا بعد كل صلاة لندعو عليهم قائلين: «اللهم رمِّل نساءهم ويتِّم أطفالهم. اللهم زلزل الأرض تحت أقدامهم»، في تناقض عجيب لا مثيل له!

هذه الآراء والأفكار ليست مقتصرة على الكتب القديمة فقط، كما أنها لم تكن إلى وقت قريب بعيدة عن مؤسساتنا التعليمية، إذ يذكر لي الصديق الدكتور سعيد حارب، وهو من ذوي الفكر الإسلامي المستنير.

أنه عندما تم تكليفه بتدريس مادة العلاقات الدولية في الإسلام في جامعة الإمارات، وجد كتاباً كان يُدرَّس عن هذه المادة في الجامعة، مؤلفه ما زال حياً يرزق، يقول إن أهل الذمة يجب ألا يُسمح لهم بركوب الحُمُر الأهلية، وأن علينا أن نضطرهم إلى أضيق الطرق! ويضيف الدكتور سعيد أنه رفض هذا الكتاب، وأعد كتاباً آخر قام بتدريسه.

هذا هو المزاج السليم الذي نحتاجه في هذه المرحلة، التي أصبحت صورة الإسلام فيها مشوهة بفعل أفكار وتصرفات تلاميذ مدارس هذه الكتب التي تضر الإسلام ولا تخدمه، وأي حديث عن مزاج آخر، إنما هو من باب المزايدة، والإسلام في هذه المرحلة أحوج ما يكون إلى أصحاب المزاج السليم والمعتدل، لا إلى المزايدين والمكابرين.

نعم يا أخي، أريد ديناً حسب مزاجي، ومزاجي إسلامي معتدل متسامح محب لله والناس والحياة، فهل في هذا ما يعيب؟

 

Email