الحرب على داعش.. إشكالية سياسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

 

بات منالضروري إعادة النظر باستراتيجية الولايات المتحدة التي تقود التحالف الدولي في الحرب ضد تنظيم داعش، فهي لم تؤد حتى الآن إلى إضعاف القدرات القتالية لهذا التنظيم.

الحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد تنظيم داعش ليست كغيرها من الحروب، لا نقصد بذلك أنها تختلف بسبب كون هذا التنظيم ليس دولة ذات حدود معينة أو كياناً سياسياً يمكن التعامل معه وفق القواعد والأعراف القائمة..

ولكن لأن الحرب عليه تمر عبر حقول ألغام من نوع خاص تختلط فيها موروثات تأريخية تتعلق بالنزعات العرقية والدينية والمذهبية تتجاوز الرقعة الجغرافية التي يحتلها هذا التنظيم في سوريا والعراق. فالولايات المتحدة تواجه صعوبات كبيرة في وضع استراتيجية الخوض في مجاهل هذه الحرب وتلتزم بالحذر الشديد بغية أن لا يحتسب عليها تعاطف أو انحياز لصالح عرق أو دين أو طائفة أو دولة معينة ضد أخرى.

هذه الحرب لن تكون قصيرة الأمد فقد تمتد إلى ثلاثين سنة وفق تقدير ليون بانيتا وزير الدفاع الأميركي السابق أو تصبح «حرب مفتوحة» كما يرى رئيس الوزراء البريطاني. فهي حرب تتجاوز الاشتباك التقليدي إلى اشتباكات عقائدية مع نهج التفكير الذي تتبناه داعش.

وتطرح هذه الحرب قضايا حول مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق، فهناك استحقاقات على مستويات مختلفة ينبغي مقاربتها من قبل الطرفين بطرائق موضوعية. فالحرب الطويلة الأمد تتطلب علاقات ذات طابع استراتيجي تتناسب مع ذلك وتتجاوز ما تتطلبه الأحداث الآنية من استجابات.

من جانب آخر تراجعت الأصوات العراقية التي طالما ارتفعت معارضة لوجود قوات أجنبية برية وأصبحت أقل حدة في ضوء الفشل في تحقيق انتصارات في محافظة الأنبار ضد تنظيم داعش وقناعة العشائر بعدم قدرتها على مواجهة قوات هذا التنظيم.

هذا إلى جانب التراجع الذي نشهده في موقف الإدارة الأميركية من رفض الزج المباشر لقواتها في الحرب على داعش، فهناك أصوات قوية في الكونغرس بمجلسيه اللذين سيطر عليهما الجمهوريون لا تخفي شعورها بالإحباط من سياسات الرئيس أوباما الخارجية وأصوات قوية في البنتاغون على رأسها الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة التي تطالب بإرسال قوات برية أميركية إلى العراق.

الحرب على داعش تشهد خطوات متسارعة فقد طلب العراق رسمياً من حلف الناتو القيام بتدريب وإعداد الجيش العراقي ووافق الرئيس الأميركي على إرسال أكثر من ثلاثة آلاف جندي إلى العراق وسيرسل نحو 1500 جندي إضافي ووافق الكونغرس على تخصيص خمسة مليارات دولار للعمليات العسكرية في الشرق الأوسط..

وأعلن وزير الدفاع البريطاني بأنه سيتم إرسال المئات من الجنود البريطانيين إلى العراق. هذه العودة تحت ستار تدريب القوات العراقية وقوات البيشمركة الكردية أو تقديم الاستشارات الضرورية دون الاشتراك في القتال ما هي غير مقدمات للانخراط فعلياً فيه.

لم يقتصر الاعتراف بأن الولايات المتحدة قد ارتكبت خطأً كبيراً بانسحابها المبكر من العراق على ساسة في الإدارة الأميركية فحسب بل يشاركهم في ذلك عديد من الرموز السياسية في العراق وإن لم يعترفوا صراحة بذلك.

فالفراغ الذي خلفه هذا الانسحاب دون وجود قوات عراقية مؤهلة لملئه قد فتح المجال واسعاً للمزيد من الاستقطابات الداخلية بسبب غياب مشروع جدي للمصالحة الوطنية وتصاعد التنافس بين دول المنطقة لملأ هذا الفراغ كما مهد الطريق من جانب آخر لبروز منظمات إرهابية مثل تنظيم داعش.

ولكن كيف سيكون شكل العلاقة المستقبلية بين الولايات المتحدة والعراق وهما يشتركان معاً في حرب طويلة الأمد؟ السفير الأميركي الأسبق في العراق زلماي خليل زاد يأمل «ألا تكون العلاقة الأميركية الجديدة مع العراق مؤقتة، بل قائمة على دروس سابقة جرى استيعابها».

والحقيقة أن ما أشار إليه زلماي خليل زاد قد تطرق إليه باحثون كبار في الشؤون الإستراتيجية حيث ناقشوا فكرة إقامة تحالف دائم بين العراق والولايات المتحدة على غرار ما هو معمول به مع اليابان ودول أخرى في شرق آسيا وانقسموا بين مؤيد أو رافض أو متحفظ عليه.

فهل إقامة تحالف دائم مع الولايات المتحدة مشروع قابل للتنفيذ؟ الولايات المتحدة ليست فاعل خير فهي تصطف مع دولة أو دول أخرى لضرورات إستراتيجية لزيادة مناعتها وتعزيز أمنها القومي وليس الدفاع عن الآخرين.

الدول الداخلة في أحلاف مع الولايات المتحدة كاليابان وكوريا الجنوبية أو الداخلة في حلف الناتو الذي تتزعمه الولايات المتحدة مثل دول أوروبا الشرقية التي التحقت بالحلف بعد انتهاء الحرب الباردة لديها مشتركات عدة مع الولايات المتحدة تتعلق بنظام الحكم وبالمبادئ الديمقراطية..

ولا تميل لإشراك دولة أو دول أخرى في شأنها الداخلي وهذه حال لا تنطبق مع الواقع السياسي في العراق. فنحن لا نكشف سراً حين نقول إن القوى السياسية التي تتسيد المشهد السياسي في العراق لا تؤمن حقيقة بالنهج الديمقراطي كأسلوب للحكم، كما أنها تفضل أن يكون لبعض دول الجوار دور في الشأن العراقي يفوق الشأن الأميركي..

وهو مما لا يروق للولايات المتحدة. إلا أنه من جانب آخر ترى الولايات المتحدة أنها في حربها على داعش لا تهدف للدفاع عن العراق وإنما استجابة لما يتطلبه أمنها خاصة أن تنظيم داعش أو ما هو شبيه به موجود في أماكن عدة من العالم بضمنها الدول الغربية.

 

Email