الإسلام والإسلاموية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تطمح العلوم الإنسانية للوصول الى مستوى من الدقة يقترب من دقة العلوم الطبيعية، وإذا كان صحيحا أن طموحا كهذا بعيد المنال بسبب تلك العلاقة التي لا تغيب بين العلوم الإنسانية والمصلحة من جهة والأيديولوجيا من جهة ثانية، فإن ذلك يجب ان لا يضعف عزيمتنا في الوصول الى حال من الدقة ترضي العقل. وأقرب الوسائل لتحقيق هذا المطلب، أقصد مطلب الدقة والموضوعية، تحديد مضمون المفاهيم ودلالاتها.

فما هو الفارق بين مفهومي الإسلام والإسلاموية؟

الإسلام دين سماوي أساسه الكتاب والحديث الشريف. ينطوي على منظومة أخلاقية تتعلق بالعلاقات بين البشر، منظومة تدعو للخير والحب والمساوة والتسامح والحق، وأحكام شرعية تتعلق بالزواج والطلاق والإرث والبيع والشراء والمعاقبة الدنيوية ذات ارتباط بالزمان ولهذا تتغير الأحكام بتغيرالإزمان.

والضرورات تبيح المحظورات. وطقوس من العبادات التي تتصل بعلاقة العبد المؤمن بخالقه. كالشهادة والصلاة والصوم والحج. أما الزكاة فهي من بنود الأحكام. هذا هو الإسلام بالتعريف المفهومي، والذي جرى الاتفاق عليه بين جميع المسلمين، وهو المعيار الذي يحدد المسلم من غير المسلم بمعزل عن الالتزام الجزئي أو الكلي.

أما ما جرى من خلاف في التاريخ، وظهور المذاهب والشيع  والفقه فهو شأن دنيوي صرف، ولسنا في معرض الخوض فيه الآن.

أما الإسلاموية فهي حركات أيديولوجية دنيوية صرفة تطمح لاستلام السلطة وتعمل بكل الوسائل على تحقيق ذلك، معلنة أن هدفها تطبيق الشريعة الإسلامية. ومن هذه الزاوية لا فرق بين الإسلاموية الشيعية والإسلاموية السنية إلا اللهم الفرق الذي أسس له التاريخ الدنيوي للاختلاف.

الإسلام دين الشعب، دين الإنسان الذي يعيش الحياة بكل تفاصيلها ويومياتها متلائما معها بعفوية ودون قرار من أحد. فيما الإسلاموية أيديولوجيا أقلية اتخذت قرارا بأن تعيد تاريخ الحكم الكنسي الأوربي في عالم المسلمين اليوم. إنها أيديولوجيا سلطوية بامتياز.

وسائل يسأل : أليس هناك فرق بين الإسلاموية السياسية والأسلاموية العنفية- المسلحة؟

يمكن القول أن لا فرق من حيث الهدف الأيديولوجي ألا وهو الوصول الى الحكم، أما الاختلاف فقائم في استخدام العنف. فبينما تتفق كل أشكال الأسلاموية على أن الحاكمية لله فإن الاختلاف يقوم في طريقة الوصول الى الحاكمية، فأحزاب كحزب العدالة والتنمية في المغرب والنهضة في تونس مثلا تعتقد أن اللعبة الديمقراطية قادرة على إيصالهما للسلطة..

فيما حزب الله وانصار الله الحوثيين وبعض الميليشيات العراقية وحماس يدمجون بين الأدوات العنفية والسلمية. أما داعش والقاعدة فيعولون على القوة والعنف.

فحزب الله عندما شعر بأن الدولة اللبنانية  تنتوي بسط سيادتها قام  في السابع من أيار ٢٠٠٨ باحتلال بيروت. وتوقيع الحوثيين على وثيقة المصالحة اليمنية لم يمنعهم من غزو اليمن، وحماس لم تجد حرجا من أحد باحتلال غزة رغم نجاحها بالأغلبية في المجلس التشريعي.

أما داعش وما شابهها فهي تعول على القوة وحدها في الوصول إلى السلطة.

وفي كل الأحوال يجب الفصل بين الإسلام والإسلاموية، بل وتحرير الإسلام من الإسلاموية .

والسياسة بوصفها شأنا أرضيا صرفا ،والدولة من حيث هي التعبير الحقوقي والقانوني عن السياسة يجب أن تظلا بعيدا عن تدخل الديني بشأنهما. فنحن أمام عالمين مختلفين، فعالم الدين عالم الإيمان والاعتقاد والقيم الأخلاقية وطقوس العبادات، فيما الدولة والسلطة عالم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والمؤسسات والعلاقات الدولية والتنمية والسيادة الوطنية ونظام الحكم وقوانين المجتمع الوضعية...الخ.

فسؤال الحكم والسلطة السياسية والمؤسساتية سؤال اجتماعي - سياسي وليس سؤالا دينا. فضلا عن ذلك هب أن هناك وجهة نظر تربط بين سؤال  السلطة السياسية الدنيوي ووجهة نظر دينية ما، فهذا أمر تقرره الهيئة الاجتماعية وليس حركة عنفية مسلحة تجعل من الماضي معيارا للحاضر .كما أن التعصب الأيديولوجي الأعمى من شأنه أن يفسد الحياة إذا ما تحول الى ممارسة على الأرض.

أما المسألة  الخطيرة التي لا تقل خطورة عما سبق وقلنا والمرتبطة بالإسلاموية  فتكمن في  احتكار الحقيقة واعتبار ما تعتقد به حقيقة مطلقة لا يأتيها الباطل من خلفها ولا من بين يديها.

واحتكار الحقيقة بوصفها مطلقة يعني سد باب الحوار والخبرة والتجربة والتعلم والإندراج في روح التاريخ العصري. وفي هذا كله تناقض مع ماهية الحقيقة بوصفها ثمرة المعرفة التي لا تعرف الجمود والاستقرار، حالها حال المجتمع الذي هو الآخر سيرورة وصيرورة وتقدم لا ينتهي.

لا شك اننا نحن العرب على وجه الخصوص نفتخر بتاريخنا بوصفه جزء لا يتجزأ من شعورنا القومي المشترك، لكن الفخر بالتاريخ أمر معنوي صرف، ومختلف جدا عن وهم استعادة التاريخ.

 

Email