إرهاب الإرهابيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

العنوان ليس من عندي ولكنه جملة نطق بها وزير الداخلية الفرنسي اليميني "شارك باسكوا" عندما تولي هذا المنصب في حكومة التعايش بين اليسار واليمين إبان النصف الثاني من الثمانينيات، عندما وقعت في فرنسا إبان هذه الحقبة بعض التفجيرات التي أعقبت قيام فرنسا بالقبض علي بعض المتهمين بالإرهاب.

في فرنسا الديموقراطية يرفع وزير الداخلية عنواناً لسياسته يفضي إلي "إرهاب الإرهابيين" والمفهوم من هذا الشعار هو إتباع سياسات تلقي الرعب في قلوب من يفكر في القيام بعمليات إرهابية من الإرهابيين وعلي هؤلاء التفكير ألف مرة قبل الشروع في تنفيذ مثل هذه العمليات.

من المؤكد أن هذا العنوان الذي تمت تحته محاربة الإرهاب في فرنسا اشتمل علي الكثير من الإجراءات والترتيبات والممارسات التي من شأنها محاصرة الإرهاب والإرهابيين وإصابة قدراتهم علي الفعل الإرهابي بالشلل وحماية المدنيين من عملياته وتعطيل مخططاته وتدبيراته التي تستثمر المناخ الليبرالي والديموقراطي السائد.

ما كان ظاهرا لنا نحن العرب دارسون أو عمال من هذه الترتيبات التي خضعنا لها إبان هذه الفترة، هو ما تعلق بالإقامة القانونية وتجديد تصاريح هذه الإقامة ومعاقبة من لا يستوفي شروط الإقامة القانونية بالترحيل والإبعاد عن الأراضي الفرنسية، في هذه الظروف سارع كل منا لتقديم الأوراق المطلوبة للحصول علي تصريح الإقامة .

وبعد بذل الجهود من أجل استكمال هذه الأوراق إدارياً، كان علينا التوجه لمقار الشرطة وفق محال إقامتنا، وأذكر أن ذلك كان في فصل الشتاء حيث يسقط المطر تباعاً وتقريباً بلا توقف..

وعندما توجهت كآلاف غيري من الراغبين في الحصول علي تجديد الإقامة القانونية فوجئت بما لم أفاجأ به من قبل طيلة إقامتي في باريس، حيث كان الطابور يمتد لمئات الأمتار علي الرصيف الموازي لمقر الشرطة ويمتد الانتظار تحت سقوط المطر وحبيبات الجليد لعدة ساعات في البرد القارص.

تكرر هذا المشهد تقريباً في جميع مقار الشرطة في أغلبية المدن الفرنسية التي يقطن بها مهاجرون عرباً وأفارقة طلاباً أو عمالاً؛ كانت المعاملة قاسية رغم أنها لم تخرج عن إطار القانون، بيد أن تطبيق القانون كان صارماً وحاسماً لا يتضمن ثغرات من أي نوع أو تساهل من نوع ما كما كان يحدث في بعض الأحيان في السابق.

في هذا المناخ السائد آنذاك نتيجة الشحن والتعبئة الإعلامية ضد الإرهاب، كنا جميعاً نحن العرب مسكونين بالخوف من نتيجة هذه التعبئة التي في الغالب لم تكن تميز بين الإرهابيين وبين غيرهم من العرب والمسلمين وأصبح كل عربي ومسلم تحوط به الشبهات من كل حدب وصوب وأصبح كل عربي ومسلم متهماً حتي يثبت العكس خلافاً للقاعدة القانونية المستقرة التي تقول بأن المتهم برئ حتي يثبت العكس.

كنا نتحرك ولسان حالنا يقول "ليت الأرض تنشق وتبتلعنا" حتي لا يشعر بوجودنا أحد، كنا نتحرك خيفة وللضرورة القصوى ولم نكن نخرج بالليل إلا لماما واستثناء، حيث كنا نتعرض للتفتيش وإبراز أوراق الإقامة لمجرد أنك عربي ومسلم ولمجرد أن لونك وهيأتك لا ينبئان بأنك فرنسي، بل ينبئان بأنك ذو سحنة شرق أوسطية.

مصر بعد التصعيد الخطير في سيناء الذي راح ضحيته عشرات الشهداء من جنود القوات المسلحة علي أيدي الإرهاب الأسود من حقها أن تعلن بدء مرحلة جديدة في مقاومة الإرهاب وأن تسترشد هذه المرحلة بشعار "إرهاب الإرهابيين" ..

وإذا كانت فرنسا وهي بلد ديموقراطي قد وضعت استراتيجيتها لمكافحة الإرهاب تحت هذا الشعار رغم أن العمليات التفجيرية التي وقعت فيها آنذاك لا تقاس بما يحدث في مصر لا من حيث عدد الضحايا ولا من حيث طبيعة المؤسسات التي طالتها هذه التفجيرات، فإنه أولي بمصر أن تطبق هذا الشعار نظراً لخطورة التصعيد الإرهابي واحتمال تكراره وإعادة إنتاجه في مراحل لاحقة ما لم يتم تطبيق استراتيجية لمكافحة الإرهاب تحت هذا العنوان.


إرهاب الإرهابيين في الحالة المصرية قد يعني توفر القدرة علي الرد السريع والحاسم والرادع علي الإرهابيين والشبكات التي تدعمهم لوجوستيا وماديا وألا يقتصر هذا الرد الرادع علي الجزء الظاهر من الإرهاب أي المنفذين فقط بل يمتد إلي الأجزاء الخفية التي تمد الإرهابيين بالسلاح والمال والعتاد، وذلك يتطلب الحصول علي المعلومات وتحليلها واستخلاص الدلالات لرسم خريطة محاربة الإرهاب.

ومن ناحية ثانية فإن إرهاب الإرهابيين يتطلب تقنين أوضاع المقيمين في مصر من جميع الجنسيات ومعرفة طبيعة نشاطاتهم وأعمالهم وحصر محال إقامتهم وعناوينهم وفق ما يتطلبه القانون.

وذلك بامتداد الأراضي المصرية من شرقها إلي غربها ومن شمالها إلي جنوبها، وهذا التقنين وهذا الحصر للمقيمين في مصر ينبغي أن يرتبط بعقوبات لمن يخالف شروط الإقامة أو أخل بما يترتب عليه من واجبات أو مارس نشاطا من شأنه الإضرار بالنظام العام والمصالح العليا للبلاد.

خبراء ومسؤولو الأمن العام والقومي في مصر قادرون علي ترجمة شعار إرهاب الإرهابيين إلي مجموعة من الترتيبات الإدارية والقانونية والسياسية والأمنية التي تجعل من هذا الشعار أداة فعالة في مواجهة الإرهاب وذلك استكمالاً للإجراءات التي اتخذتها الدولة ممثلة في الرئيس ومجلس الدفاع الوطني وأن يكون واضحاً أن مواجهة مصر مع الإرهاب ممتدة محلياً وإقليمياً.


 

Email