ماذا يريد الخليج العربي من العبادي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أحد يستطيع أن يقلل من الدور الخليجي في الضغط لإزاحة رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، والإتيان برئيس وزراء جديد. فدول الخليج جميعها كانت مستاءة كل الاستياء من سياسات المالكي الطائفية، التي لم تهمش وتقصي وتظلم سنة العراق وحسب، بل فتحت الباب على مصراعيه لتتحكم إيران في العراق.

فالعزلة الخليجية للمالكي كانت أحد أهم الأسباب التي عجلت رحيله، والتحول بالعراق نحو بيئة جديدة لا يكون فيها المالكي صاحب القرار. فحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي الجديد، مدينٌ للخليجيين لدورهم في إزاحة جبروت سلفه وفتح المجال أمامه ليخلفه.

هذا ما يجب أن يعلمه السيد العبادي جيداً، وهو ما يجب أن يعمل من خلاله، فليست إيران هي من وراء تغيير المالكي، لأنها وبكل بساطة كانت دائما تود الإبقاء على المالكي الذي كان يخدم مصالحها بشكل واضح وكبير، إلا أن الضغط الخليجي في رفض المالكي ولّد الرغبة الغربية، ولا سيما الأمريكية، في الدفع نحو ضرورة تجاوز المالكي.

اليوم أمام حيدر العبادي مهمة كبيرة ومزدوجة، ترتبط بالداخل العراقي والخارج الإقليمي. دول الخليج تأمل للسيد العبادي أن ينجح في الوصول إلى ما يصبو إليه الجميع، من تحقيق وحدة وتجانس الصف العراقي الداخلي وتجاوز مرحلة نوري المالكي.

فكل دول الخليج رحبت باختيار العبادي رئيساً للوزراء، وأرسلت رسائل تهنئة تحمل في داخلها آمال دول المنطقة في أن يؤدي اختياره إلى إحداث تغير في العلاقة بين دول الخليج العربي والعراق، ورحبت كذلك بنجاحه في تشكيل وزارته بعد اختيار وزيرين للدفاع والداخلية.

لقد كان المالكي في فترة رئاسته للوزارة في العراق، سلبياً للغاية ولم يعمل على تقديم ما يمكن أن يخلق قبولاً لدى دول الخليج العربي، لسياساته وتصرفاته في الداخل العراقي والخارج الإقليمي.

لذلك انعزلت دول الخليج عن العراق انعزالاً كبيراً، بسبب غياب الرغبة العراقية نحو صياغة علاقة متميزة مع دول الخليج العربي. لذلك فإن أمام العبادي فرصة ذهبية لفتح صفحة جديدة، يبتعد من خلالها عن أسلوب المالكي في تهميش وانتقاد دول الخليج وسياساتها مقابل تمجيد وتعظيم سياسات إيران في المنطقة.

إن ما تريده دول الخليج العربي حالياً ليس عودة العراق لحاضنته العربية وتبنيه للقضايا العربية كما كان في السابق، رغم أن هذا هو الأمل المرجو من العراق الوصول إليه، ولكن المطلوب حالياً هو خلق فرص قيام الثقة مع الطرف الخليجي، التي فُقدت بسبب سياسات المالكي الطائفية وانتقاداته غير العقلانية لدول الخليج العربي.

هذا ما يجب أن يقوم به السيد العبادي في علاقته مع دول الخليج العربي، وأن لا يسير على خطى سلفه، فهو في حاجة إلى كسر العزلة الخليجية عن العراق.

إلا أن الآونة الأخيرة شهدت خطوتين نعتقد أنهما لم تكونا موفقتين من قبل العبادي، وبالطبع لن يكون لهما وقع السحر لخلق الثقة بين الجانبين العراقي والخليجي. أولاهما تصريحه في مقابلة مع قناة «الحرة»، حول تصريحات نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن واعتذاره للدول الخليجية عن ما بدر منه من حديث خلال محاضرته في جامعة هارفارد الأمريكية، حول الدور الخليجي الداعم للجماعات الإرهابية في سوريا.

فالعبادي انتقد ما قام به بايدن، واعتبر أنه ما كان من نائب الرئيس أن يعتذر عن ما قاله باعتبار أن ما قيل هو حقيقة، حسب ادعاء العبادي، فالدول الخليجية وفقاً للعبادي تدعم الإرهاب الممثل في داعش. والخطوة الثانية زيارته لإيران وتجاهل زيارة دول الخليج العربي، فدائماً ما تكون المحطة الأولى لزيارة أي مسؤول، تحمل دلالات كثيرة ورسائل هامة لدى الدول الأخرى.

كان من الأجدر برئيس الوزراء العراقي الجديد أن يكون دبلوماسياً في تصريحاته، وأن لا يلبس عباءة المالكي بتوجيه ذات الانتقادات التي طالما رددها المالكي لدول الخليج العربي خلال فترة رئاسته للحكومة العراقية.

هذه الادعاءات لا يمكن أن تصب في صالح بناء الثقة مع الخليجيين، ولا يمكن أن تمثل خطوة إيجابية في سبيل بناء مرحلة جديدة ونسيان الماضي، كما أشار العبادي في رسالته الشفهية التي نقلها أحد أعضاء البرلمان العراقي للخليجيين، في مؤتمر الرياض الأخير حول الخليج العربي والتحديات الإقليمية، في الخامس عشر من سبتمبر الفائت.

كما أن التحفظ الخليجي على العلاقة العراقية مع إيران، كان بالإمكان تبديده نوعاً ما لو أن السيد العبادي قام بجولة خليجية، تشمل بالإضافة لإيران دول مجلس التعاون الخليجي.

فلا حجة للعبادي في أن يتجاهل زيارة دول الخليج العربي، فهو كرئيس وزراء لبلده يستطيع طلب زيارة لدول الخليج تأتي في سياق زيارته لإيران. ولكن هذا التجاهل من قبل العبادي لدول الخليج العربي والتوجه لإيران، يشير بوضوح إلى أن الرجل ما زال يدور في فلك سلفه، بتفضيل إيران على دول الخليج.

المطلوب من العبادي خليجياً ليس ترك إيران، وإنما تحقيق التوازن في العلاقة بين الجانبين، فليس من المجدي أن تنحاز لطرف ضد طرف آخر وكلاهما له مصالح معك، وأنت من المفترض أنك تحاول أن تبني جسور الثقة مع الأطراف المتوجسة.

بداية العبادي، وللأسف الشديد، متعثرة في تعامله مع دول الخليج العربي، ولا أدري كيف يمكن له أن يتجاوزها.

بالطبع سيرمي الحمل على رئيس الجمهورية العراقي ليقوم بتهدئة النفوس، ولكن المشكلة ليست مع رؤساء العراق، بل مع رؤساء مجلس وزرائه الذين يملكون التحكم في مفاصل الأمور التي ترتبط بهواجس دول الخليج العربي.

 

Email