حروب داعش ومكانة الكرد لدى الغرب

ت + ت - الحجم الطبيعي

خلقت الحروب التي يشنها تنظيم داعش في سوريا والعراق، ظروفاً خاصة تجاوزت تأثيراتها وتداعياتها المساحات الجغرافية لهذين البلدين، لتصبح مصدر قلق بالغ لأكثر من دولة في منطقة الشرق الأوسط، التي لا تريد حكوماتها أن تتقبل مبدأ إعادة النظر بما للأقليات الموجودة في مجتمعاتها من حقوق، وما لذلك من أهمية في تعزيز أمنها المجتمعي واستقرارها.

فقد عززت حروب تنظيم داعش مكانة الكرد لدى الغرب، وهو أمر سيكون له بعض الاستحقاقات في المستقبل. فالغرب وجد فيهم الحليف الأفضل في العراق، وها هو يبدأ بمد الجسور مع كرد سوريا الذين يقاتلون دفاعا عن مدينة كوباني.

ومع أن الكرد أكبر الأقليات العرقية في الدول الموزعين فيها، إلا أنهم يُقرون بحاجتهم لحماية الغرب، لذلك هم الأقل اعتراضا على حضوره سياسيا وعسكريا بين ظهرانيهم، ولا ينظرون إليه بتوجس وريبة كما تنظر إليه القوميات الكبيرة الأخرى في المنطقة.

الكرد الذين يتوزعون في أربع دول: تركيا والعراق وإيران وسوريا، لهم مشروعهم السياسي الخاص الذي يهدف على الأمد البعيد إلى تأسيس دولة كردية قومية، بعيداً عن التهميش والتبعية التي فرضت عليهم باتفاقية سايكس/ بيكو منذ قرن من الزمن، فهم لم يجدوا في الأنظمة القائمة في هذه الدول ما يشجعهم للاستمرار على البقاء في أطرها الجغرافية والسياسية والعقائدية. الكرد في العراق كانوا الأقدم في بدء تمردهم القومي منذ البدايات الأولى لتأسيس الدولة العراقية الحديثة..

وقد مرت حركاتهم المسلحة ضد السلطات القائمة منذ ثلاثينيات القرن المنصرم، بانتكاسات عديدة وتصفيات مستمرة، إلى أن تُوجت في نهاية المطاف بانبثاق إقليم يتمتع باستقلال شديد القرب من الدولة المستقلة، بدعم قوي من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة.

أما في تركيا وإيران فقد رفع الكرد السلاح في مرحلة متأخرة، إلا أنهم لم يتمكنوا من فرض واقع مؤثر ينقل قضيتهم إلى المحافل الدولية، ولم يحظوا بدعم من الغرب، بل إن الطريق قد أغلق في وجوههم حين وُضع الحزبان الكرديان الرئيسيان «بي كي كي» التركي و«بيجاك» الإيراني، على قائمة الإرهاب.

أما في سوريا فالقضية الكردية بدأت تأخذ بعداً سياسياً لا يثير حفيظة النظام القائم، منذ استضافت سوريا عناصر حزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان، في مناكفة مرحلية لتركيا في ثمانينيات القرن المنصرم، فكرد سوريا لم يتبنوا شعارات معادية للنظام القائم، وكان موقفهم من الثورة السورية التي اندلعت منذ عام 2011 فيه الكثير من الالتباسات.

قوات التحالف التي تقوم بغارات جوية على مواقع تنظيم داعش في سوريا، تركز معظم غاراتها على مدينة كوباني، رغم أن الولايات المتحدة لا تعتبر منع سقوطها هدفاً استراتيجياً للتحالف الدولي الذي تقوده.

في هذه المدينة يخوض كرد سوريا قتالاً شرساً ضد هذا التنظيم، بدعم غربي وعربي عزز من أهمية القضية الكردية في سوريا ورفعها إلى مستوى جديد من الأهمية، مما بدأ يقلق أكثر من دولة في المنطقة التي تتوجس من الحملة الدولية الكبيرة التي تقودها الولايات المتحدة على تنظيم داعش، وبروز حلفاء جدد للغرب من الذين تصر هذه الدول على استبعادهم، بل حذفهم من الخارطة السياسية.

فقد أعلنت جين ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، في السادس عشر من أكتوبر الجاري، أن مسؤولاً في الوزارة أجرى محادثات مباشرة للمرة الأولى مع الحزب السياسي الكردي الرئيسي في سوريا، حزب الاتحاد الديمقراطي، تتويجاً لمحادثات غير مباشرة عبر وسطاء سبقت ذلك.

خطوة الولايات المتحدة هذه قد تفسر من جانب تركيا، على أنها تعبير عن استياء الغرب وخيبة أمل الإدارة الأميركية من تقاعس أنقرة في الانضمام إلى التحالف الدولي. هذه المحادثات تقلق تركيا التي بدأت تعي أن ترتيب الأوراق في الملف السوري لن يكون وفق ما تشتهيه، فهؤلاء الكرد حلفاء جدد تعتمد عليهم الولايات المتحدة في حربها على داعش..

وهم ليسوا فقط مقاتلين على الأرض يدافعون عن أنفسهم، بل يقومون بتزويد قوات التحالف بمعلومات عن إحداثيات مواقع الدواعش، مما حسن كثيرا من دقة التصويب نحوها، كما أن الولايات المتحدة لا تستبعد احتمالية تسليحهم، مما فجر خلافاً جديداً بين أنقرة وواشنطن.

حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تأسس عام 2003، هو الذي يقود القتال في كوباني ضد تنظيم داعش، وهو حزب جماهيري كبير قياسا بباقي أحزاب الحركة الكردية في سوريا التي يبلغ عددها اثني عشر حزباً. ويعتبر هذا الحزب الأقرب إلى حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي)، الذي وضع على لائحة الإرهاب من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لا يخفى على المتابع للشأن التركي رصد التراجع المستمر في العلاقات التركية – الأميركية، التي لم تعد في أحسن حالاتها منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم. فقد رفضت الإدارة التركية السماح للولايات المتحدة باستخدام أراضيها في عملية غزو العراق، وهي على خلاف مع الإدارة الأميركية حول الموقف من الثورة في سوريا، وفي خلاف حول أهداف التحالف الدولي ضد داعش.

تركيا ترصد بدقة التغير الذي بدأ يطرأ في خطاب المسؤولين الأميركيين حول الموقف من النظام السوري، إلا أن أشد ما تخشاه أن يكون فتح الولايات المتحدة لقنوات حوار مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، مقدمة لتلطيف الأجواء مع حزب العمال الكردستاني التركي (بي كي كي).

 

Email