التحالف الدولي وآفاق دحر داعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

التحرك الدولي الكثيف لمواجه تنظيم داعش، ما كان ليتم لولا حصول قناعة لدى المنظرين في مجال رسم السياسات الاستراتيجية في الغرب، بأن هذا التنظيم الذي انبثق ونما وكبر وانتشر بسرعة فائقة، سيشكل على المدى البعيد خطراً كبيراً على المصالح الغربية، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب وإنما على الوسط الغربي نفسه..

لأن التركيب الفسيفسائي للمجتمعات الأوروبية والأميركية والأسترالية، يسمح بوجود حواضن لهذا التنظيم. وقد كان ذبح الصحافيين الأميركيين الشرارة التي أطلقت سلسلة من الأحداث المتسارعة، أميركياً وعالمياً وعربياً، لمواجهة هذا التنظيم، فقد انتقلت لهجة الرئيس الأميركي من الحديث عن «احتواء داعش» إلى الحديث عن «تدمير داعش»، وهي نقلة مهمة تعني أن هناك قراراً اتخذه الرئيس بالخروج من حذره المبالغ فيه، والقيام بخوض حرب طويلة الأمد ضد داعش في العراق وسوريا وأينما كان، وربما خلال ذلك مع آخرين.

الناتو يختتم أعماله في نيو بورت في السادس من سبتمبر الجاري، يلي ذلك تشكيل الحكومة العراقية في الثامن منه، يعقبه قيام الرئيس الأميركي في التاسع منه بلقاء قادة الكونغرس، وقيام وزير خارجيته بزيارة للعراق الذي ستنطلق منه الحرب على داعش، حيث صرح رئيس الوزراء العراقي بأن العراق بحاجة إلى تدخل عالمي لمواجهة تنظيم داعش.

ثم يعلن الرئيس الأميركي استراتيجيته في العاشر من الشهر، وينعقد في الحادي عشر منه مؤتمر أميركي ــ عربي ــ تركي في جدة للتحشيد ضد داعش، ثم يُعلن عن مشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي في مؤتمر باريس حول العراق الذي عقد في الخامس عشر منه برئاسة مشتركة فرنسية عراقية.

الرئيس الأميركي قام بسرعة بسد الثغرة التي أشار إليها قبل بضعة أيام، وهي عدم وجود استراتيجية لمواجهة داعش، فاليوم لديه هذه الاستراتيجية التي تحتشد لتنفيذها أربعون دولة، بمهام تتراوح بين عمليات عسكرية وأنشطة استخبارية وخبرات تدريبية ومساعدات إنسانية.

التحالف الذي تشكل لا يضم إيران، لأن الغرب بشكل عام لديه الكثير من الحساسيات في التعامل معها، ومع ذلك فإن لها بعض الحضور في الحرب على داعش من خلال الأكراد، فقد اعترف رئيس إقليم كردستان بأن إيران هي أول دولة أمدت الإقليم بالأسلحة. ..

ولم يحدد الرئيس أوباما في استراتيجيته سقفاً زمنياً، فقد تمتد المواجهة لما بعد نهاية فترته الرئاسية. وتعتمد استراتيجية التحالف على إشراك الدول السنية في المنطقة، لسحب البساط من تحت من يدافعون عن التنظيم بحجة أنه مدافع عن السنة. إلا أن توجيه ضربات إلى مواقع التنظيم في سوريا يكتنفه الكثير من التعقيد، فهو سيزيد حدة التوتر مع موسكو التي سارعت إلى الإعلان أن ذلك سيكون عدواناً ما لم يصدر قرار بشأنه عن مجلس الأمن الدولي...

كما أن توجيه هذه الضربات لن يكون مجدياً دون تنسيق مع شريك أو حليف سوري في الداخل، وليس هناك غير الجيش السوري الحر، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستقوم بتسليح هذا الجيش لتمكينه من القيام بهذه المهمة، ما سيغير التوازنات القائمة في غير صالح الرئيس الأسد. وتصريح الرئيس الأميركي بأنه سيتم القضاء على تنظيم داعش كما تم القضاء على تنظيم القاعدة، يستوجب بعض التوقف لأنه يفتقر إلى الدقة والموضوعية..

فتنظيم القاعدة لم يقضَ عليه، إذ إن داعش أحد امتدادات القاعدة بمسمى آخر وبزعامة أخرى. وفي هذا السياق ثمة أمر على درجة كبيرة من الأهمية تنبغي الإشارة إليه، وهو أن الولايات المتحدة تعتمد استراتيجية فيها الكثير من المبالغة في تقدير دور القوة العسكرية في مواجهة داعش، فالقضاء عليه وعلى تنظيمات أخرى من طرازه، لا يتوقف عند حشد القوى العسكرية، فالحلول الحقيقية هي حلول سياسية تتطلب مقاربة موضوعية لما نشهده في المنطقة، وهو انهيار النظام الإقليمي التقليدي.

داعش حركة سياسية انشقت عقائدياً عن المؤسسة السنية التقليدية، وانبثقت في المنطقة لأسباب تتعلق بالنظام القائم الذي سمح بولادتها. فهي قد ولدت بُعيد الاحتلال الأميركي للعراق، حين طغت الطائفية على السطح وأصبحت لاحقا السمة المميزة لجميع الصراعات في المنطقة، بدءاً من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن.

ومقاربة الملف الإرهابي في المنطقة ينبغي أن تكون شاملة، عبر إصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية وثقافية، تسهم في توفير فرص متكافئة وتعمل على تذويب الاصطفافات العرقية والدينية والمذهبية والمناطقية التي أصبحت سمة مميزة في المنطقة، لتزايد القناعة بأنها الحامي الحقيقي لأمن المواطن وليس الدولة، ومن دون ذلك سيبقى الإرهاب يؤرق السلم في المنطقة.

الإرهاب يُدحر فقط حين ترفضه القوى الشعبية وتمتنع عن توفير الحواضن له، كما حدث إبان نشاط الصحوات في محافظة الأنبار التي قضت على تنظيم القاعدة عام 2007. وهناك ضرورة لتوظيف قضايا أيديولوجية وفقهية على مستوى عالٍ، تتناول تسفيه أيديولوجيات هذا التنظيم وتعرية مدى تخلفه وبعده عن روح العصر وسماته، وهذا يقع على عاتق المرجعيات الدينية، وهي مهمة ينبغي ألا تتوقف عند الإدانة، بل تتجاوز ذلك إلى شن حملة تثقيفية، الغرض منها بالدرجة الأولى إنقاذ الشباب الذين غسلت أدمغتهم وانخرطوا في هذا التنظيم.

 

Email