التحالف التاريخي والخروج من دائرة الخطر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل حالة الفوضى التي تضرب المنطقة، من الطبيعي أن تكون مصر هدفاً أساسياً للتآمر، ومن الطبيعي أيضاً أن يكون الحفاظ على الدولة هو البوصلة التي توجه السياسة المصرية في كافة الاتجاهات.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد أن الحفاظ على الدولة كان هو أساس الرؤية التي حكمت موقفه منذ 25 يناير، وليس من الآن.

فقد كان واضحاً أن قوى عديدة سوف تحاول استغلال حالة السيولة في أعقاب الثورة لكي تضرب مؤسسات الدولة، كما حدث في دول عربية أخرى بعد ذلك. هذه الرؤية التي حكمت تحرك جيش مصر، هي التي استطاعت حماية الدولة العربية الأكبر من أن يتحول انهيار نظام مبارك إلى انهيار للدولة كلها، وهي التي أسقطت ـ بانحيازها لإرادة الشعب ـ محاولة الإخوان لتغيير هوية مصر وهدم مؤسساتها، وهي أيضا التي تصدرت لإرهاب الداخل ومؤامرات الخارج، خاصة بعد 30 يونيو.

والحفاظ على الدولة هنا لا يعني الانكفاء على الداخل، وتاريخ مصر كله يؤكد هذه الحقيقة، وما حدث بعد 30 يونيو من دعم عربي لمصر، خاصة من الإمارات والسعودية، جعل التحالف بين هذه الدول أساساً للتحرك في مواجهة الاخطار التي تهدد المنطقة وتعصف بكياناتها.

مصر في الظروف الطبيعة لا يمكن أن تنعزل عن أمتها، فما بالك إذا كانت الأمة في أزمة، والخطر لا يترك شبراً في العالم العربي، وحدود مصر كلها تشتعل بعد عدوان اسرائيلي إجرامي على غزة، وإرهاب يحاول أن يجد مكانا في سيناء، وفوضى تعم ليبيا وتهدد كل الجوار وأولها مصر.

وفي حواره مع القيادات الصحفية الاسبوع الماضي، حدد الرئيس السيسي الخطوط العريضة للسياسة المصرية تجاه عدد من بؤر الصراع المشتعلة على الساحة العربية.

* بالنسبة للعدوان الاسرائيلي على غزة، أكد أن مصر لا يمكن أن تتخلى عن القضية الفلسطينية، وأنها انطلقت منذ اللحظة الأولى للعدوان (بل قبل أن يبدأ) بجهودها لحماية الفلسطينيين ووقف شلال الدم، وأنها في جهدها لم تلتفت لمحاولة اختصار القضية في معبر، إنما انطلقت من منظور أكبر يتخذ من وقف المذبحة في غزة منطلقاً للتعامل مع القضية الاساسية، وهي قضية إنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية، منبهاً ـ قبل يومين من إعلان الاتفاق على وقف إطلاق النار ـ إلى ضرورة التحرك بسرعة، لأن ضياع الوقت هو هدف تسعى له اسرائيل حتى تتوارى القضية من بؤرة الاهتمام العالمي الذي تحقق مع العدوان على غزة.

* بالنسبة لليبيا، كان الرئيس المصري حريصاً على نفي المزاعم حول التدخل المصري هناك، مؤكداً أن مصر لم تقم بأي عمل عسكري خارج حدودها حتى الآن، وأنها تشتبك مع الموقف هناك من خلال التنسيق مع دول الجوار، خاصة الجزائر وتونس، ومن خلال العمل مع الأطراف الليبية لمحاولة وقف الحرب الأهلية، ولمحاصرة جماعات الإرهاب، وإنقاذ ليبيا من الدمار الشامل.

وفي نفس الوقت أكد أن مصر تتخذ كل الاجراءات لحماية حدودها، مشدداً على سحق أي جماعة إرهابية تفكر في الإضرار بمصر أو الاعتداء على حدودها، أو الإضرار بمواطنيها. ومع ذلك يبقى الوضع في ليبيا يمضي في طريق التدهور، ويبقى الموقف مفتوحاً على كل الاحتمالات.

* أيضاً حدد الرئيس المصري موقف القاهرة من الأوضاع الخطيرة في سوريا، مؤكداً أنه لا بديل عن حل سياسي للأزمة، وأن التدخل العسكري الأجنبي سوف يعقد الأمور، وأن مصر لن تدخل طرفاً في الصراع. الموقف في سوريا يزداد تعقيداً، فقوى الثورة المدنية تتراجع بعد أن تلاعب بها الجميع، وقوى التطرف من داعش إلى النصرة إلى غيرها من المؤسسات التكفيرية الدموية، تكتسب أرضاً وتعزز مواقعها. وأميركا التي تحركت للدفاع عن مصالحها في العراق، مازالت لا تعرف ماذا تفعل تجاه أوضاع سوريا، ويبدو أنها ترجئها لصفقة أكبر مع إيران!

أصبح واضحاً أن مواجهة خطر »داعش« في العراق لا يمكن أن يتم بمعزل عن تمركزه الأساسي في سوريا، والتعاون مع النظام السوري في مواجهة »داعش« وغيرها من المنظمات الإرهابية، أصبح سؤالاً مطروحاً في أروقة السياسة الأميركية والأوروبية. في سوريا كما في العراق، تبدو الحاجة شديدة لموقف عربي فاعل، حتى لا يتقرر مصير هذين القطرين العربيين الأساسيين في غياب العرب وعلى حسابهم!

إشعال النيران على حدود مصر الشرقية والغربية في وقت واحد، مع استمرار إرهاب »الاخوان« وحلفائهم، ليس عملاً عشوائياً! ترك »داعش« تنمو بهذا الصورة وإطلاقها لتهدد (بعد التمركز في سوريا والعراق) كلاً من لبنان والاردن ودول الخليج، ليس عملاً يتم بالصدفة، خاصة إذا ترافق مع ما يحدث في اليمن السائر إلى المجهول! ترك الارهاب في ليبيا يهدد الجزائر وتونس بالإضافة إلى مصر، أمر مقصود بكل تأكيد! والخروج من الدائرة الجهنمية التي يراد للعرب أن يظلوا فيها للأبد، يتطلب - قبل أي شيء - إدراك ضرورة توحيد الجهود في مواجهة الخطر، والتحالف بين مصر والسعودية والإمارات ينبغي أن يتوطد ويتسع لتأمين الداخل أولاً، ثم لمحاصرة الإرهاب في البؤر التي احتلها ومنعه من التمدد خارجها، ثم في النهاية مواجهته بدعم الشعوب في العراق وسوريا وليبيا وغيرها، لإنهاء هذا الوباء، وللتصدي للمؤامرة التي تريد إغراق العالم العربي كله في الفوضى.

التحالف المصري ـ السعودي - الاماراتي ليس فقط عامل أمان واستقرار أساسياً لهذه الدول، بل هو ضرورة تاريخية ينبغي أن تتوطد وتتسع، لتشمل كل القوى القادرة على الإسهام في مهمة إنقاذ الوطن العربي من أخطر أزمة واجهها منذ عقود طويلة.

Email