العراق على طريق التغيير

ت + ت - الحجم الطبيعي

عنوان هذه المقالة فيه قدر من التفاؤل، فقد سبق أن قلنا وقال غيرنا إن العراق لن يعود إلى الحالة التي كان عليها قبل التاسع من يونيو الماضي، فقد كشف تنظيم «داعش» عن مدى عري المؤسسة الحاكمة فيه، وعن حجم الخراب والهوان الذي لحق به، بسبب سوء الإدارة وسوء النوايا وانعدام الكفاءة لدى من ائتمنوا على مقدراته.

فهناك مؤشرات عدة تعزز ما ذهبنا إليه، أبرزها قناعة المجتمع الدولي والإقليمي والمحلي بضرورة تغيير نهج الحكم، والتوافق على تنحية نوري المالكي عن رئاسة الوزارة، والترحيب بالمكلف الجديد الدكتور حيدر العبادي.

هذه القناعات ما كان لها أن تنضج من غير توافر أسباب ومبررات قوية لا تتوقف عند تبديل الوجوه، بل تغيير في المعادلة السياسية نحو توافق وشراكة حقيقية.

وفي ضوء هذه القناعات سارعت واشنطن بتوجيه ضربات جوية ضد عناصر تنظيم «داعش» عند اقترابهم من إقليم كردستان في الوقت الذي تجاهلت فيه طلب حكومة المالكي للقيام بذلك عندما سيطر هذا التنظيم على مدن عدة في محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى.

كما سارع عدد من دول الاتحاد الأوروبي بتقديم السلاح والخبرات الفنية والاستخبارية للإقليم مباشرة متجاهلة وجود حكومة في بغداد. وهذه في الحقيقة رسائل على درجة كبيرة من الخطورة لرئيس الوزراء نوري المالكي مفادها أن المجتمع الدولي لم يعد يرغب بالتعامل معه، فالدعم العسكري لبغداد مرهون بتوافر حل سياسي تستطيع في ضوئه الحكومة الجديدة أن تكسب ثقة جميع مكونات الشعب العراقي.

أما على المستوى الإقليمي فقد كان تكليف الدكتور العبادي بتشكيل الوزارة موضع ترحيب من الدول الإقليمية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية. أما في الداخل فقد تنفس معظم الكتل السياسية الصعداء بتنحية المالكي، خاصة في المحافظات الست المنتفضة وإقليم كردستان، لأن تنحيته وفرت الفرصة لفتح صفحة جديدة لخروج العراق من مأزقه، وهي فرصة يرى العديد من المهتمين بالشأن العراقي أنها قد تكون الأخيرة للإبقاء على العراق موحداً.

إرادات عدة تضافرت وأسهمت في تنحية المالكي، فقد كان لكل من التفاهمات الأميركية – الإيرانية، والرفض الصلب للكتل السياسية السنية، والتحالف الكردستاني، وكتلة المواطن وكتلة الأحرار داخل التحالف الوطني نفسه، والموقف الرافض الذي اتخذته المرجعية الشيعية، دوره في إغلاق الطريق أمام المالكي لدورة رئاسية ثالثة.

الدكتور حيدر العبادي أصبح موضع اهتمام الرأي العام في الداخل والخارج، فقد جاء بزخم كبير حين حظي بدعم أميركي وأوروبي وإقليمي، وبشكل خاص من دول الخليج ومن القوى الرئيسية المحلية، وهو ما لم يتوافر لمن سبقوه في هذا المنصب وهذا يمنحه قوة وثقلاً سياسياً يساعده على البدء بتفكيك المعادلة السياسية التي أسس سلفه سياساته الفاشلة عليها وهو ما نأمله منه.

كثيرة هي المقالات التي تفنن فيها كتابها في تقديم النصح لرئيس الوزراء المكلف بطرائق شتى وكأنه آت من كوكب آخر لا يدري بما يحدث في العراق وليس له دراية بالأشخاص التي تحيط بالعملية السياسية متناسين بأنه على صلة بهم وبتنظيماتهم على مدى يزيد على الأربعين سنة.

صحيح أن العمل السري يفرض قيوداً كثيرة على المساهمين فيه ويسمح بتقدم عناصر إلى المواقع القيادية بسبب الولاء وليس بسبب الكفاءة إلا أن الوضع قد تغير حين أصبح العمل في العلن منذ أبريل 2003. فليس هناك من شك بأنه على إطلاع واسع بما جرى في العراق لأنه أحد المتجولين في أروقة العملية السياسية والمطلعين على تفاصيل كثيرة مما لم تظهر للإعلام.

فهو قد تعرف على مدى السنوات الإحدى عشر الماضية على القوى الدولية والإقليمية والمحلية التي كان لنفوذها دور بارز في اتخاذ القرارات التي أوصلت العراق إلى ما وصل إليه من خراب وهذه فرصة لتوخي الحذر منها وتقليص دورها في توجيه العملية السياسية بل قطع دابره.

الدكتور العبادي يواجه مهمة صعبة للغاية فهو من جهة سيكون تحت ضغوط الحزب الذي ينتمي إليه وهو حزب الدعوة ومن جهة ثانية تحت ضغوطات التحالف الوطني الذي ينتمي حزبه إليه وهذا التحالف قد بدأ بإعادة بناء نفسه لتفعيل دوره بحيث لا يمكن تجاهله كما فعل المالكي.

ومن جهة ثالثة هناك ضغوط الكتل السياسية الأخرى المشتركة في العملية السياسية التي رفعت من سقوف مطاليبها وهي ضغوطات كبيرة بحكم ما صنعه سلفه من خراب، وعلى المستوى الإقليمي والدولي ستكون هناك بعض الصعوبات فترميم العلاقات مع الدول الإقليمية وإعادة بناء جسور الثقة مع المحيط العربي والتخلص من السياسات والمواقف المتشنجة يتطلب الكثير من الجهد وليس من السهولة أن يتم ذلك في وقت قصير، والحقيقة أن المشهد السياسي العراقي لا يسمح بتوقعات كبيرة في وقت سريع وربما سيصاب بالإحباط من يأمل بها خاصة أن هناك العديد من الظواهر السلبية قد تجذرت بشكل خطير على المستويين الحكومي والمجتمعي.

 

Email