خليفة ومحمد يحققان حلم منصور

ت + ت - الحجم الطبيعي

منصور طفل إماراتي، كان على وشك أن يتم العام العاشر من عمره عندما أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، المراحل التنفيذية لبناء القمر الاصطناعي »خليفة سات« أواخر ديسمبر من العام الماضي.

يومها سأل منصور والده الذي كان يتابع باهتمام خبر إطلاق القمر الاصطناعي في نشرة الأخبار، عن الأقمار الاصطناعية، وعن سبب اهتمام دولة الإمارات بهذا المجال، وسبب استثمارها فيه، وعن المدى الذي تريد أن تذهب إليه في مجال الفضاء وعلومه؟، فعرف منه ما يناسب سنه وفهمه، والمستوى الدراسي الذي وصل إليه. يومها قال منصور لوالده: »سوف أصبح أول رائد فضاء إماراتي، بإذن الله تعالى، عندما أكبر يا والدي«!

تذكر والد منصور هذا الموقف وهو يتلقى بفرح غامر الخبر الذي أعلنه الأسبوع الماضي صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله، عن تأسيس وكالة الإمارات للفضاء، ومشروع إرسال أول مسبار عربي إسلامي إلى المريخ، بقيادة فريق عمل إماراتي، في رحلة استكشافية علمية تصل الكوكب الأحمر خلال السنوات السبع المقبلة، وتحديداً في العام 2021، فعرف أن دولة الإمارات قد دخلت فعلياً السباق العالمي لاستكشاف الفضاء الخارجي، وتأثر بقول صاحب السمو رئيس الدولة: »ثقتنا بالله كبيرة، وإيماننا بأبناء الإمارات عظيمة، وعزائمنا تسابق طموحاتنا، وخططنا واضحة للوصول لأهدافنا بإذن الله«، وتصريح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم أن »الوصول للمريخ هو تحد كبير، واخترنا هذا التحدي لأن التحديات الكبيرة تحركنا.. وتدفعنا.. وتلهمنا. ومتى ما توقفنا عن أخذ تحديات أكبر، توقفنا عن الحركة للأمام«.

في هذه اللحظة التاريخية التي أُعلِن فيها عن إطلاق هذين المشروعين العملاقين، شعر والد منصور بأن أحلام منصور وجيله من شباب الإمارات تتحقق على أرض الواقع، وتأكد أن قيادة دولة الإمارات لا تقرأ أحلام شعبها فقط، وإنما تسبق هذه الأحلام بمراحل، فتحولها إلى واقع ملموس، ومشاريع يتم الاستثمار فيها على الأوجه الأفضل، وهو استثمار يتجاوز الجانب المادي إلى الجانب البشري الذي هو أكثر أهمية، لأنه الأبقى في المنظور الحقيقي لمثل هذه الخطوة الرائدة التي لا تُقدِم عليها سوى دولة تثق بشعبها، وتؤمن بقدرتها على اتخاذ القرارات الجريئة، وتحطيم الأرقام في كل مجال.

خطوة جريئة كهذه ربما كانت ستبدو طبيعية لو أنها جاءت في مرحلة استقرار، ينعم فيها عالمنا العربي بالأمان، وفي ظل رخاء وتقدم علمي نلمس آثارهما، لكن خطوة الإمارات هذه تأتي في مرحلة إظلام عربي شبه تام تعيشه المنطقة، وفي ظل توترات ونزاعات تعصف بوطننا العربي من مشرقه إلى مغربه. لذلك أصاب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كعادة سموه، حين قال إنه »رغم كل ما يحدث في عالمنا العربي من توترات ونزاعات، نريد أن نقول للعالم إن الإنسان العربي متى ما توفرت له الظروف المناسبة فهو قادر على تقديم إنجازات حضارية للإنسانية، لأن هذه المنطقة هي منطقة حضارات، وهي قادرة على تقديم إسهامات معرفية جديدة للبشرية، وقدَر هذه المنطقة أن تعود لصناعة الحضارة والحياة«.

هي إذن رسالة توجهها دولة الإمارات للمتآمرين على المنطقة ومستقبلها، تقول لهم إن آمالهم ستخيب بإذن الله تعالى، وإن خططهم لتمزيق العالم العربي مآلها إلى الفشل، طالما بقي في هذه الأمة من يحمل مشعل أمل، ويعمل على إضاءة شمعة وسط الظلام، ويحاول أن يجر الأمة إلى نفق يصعب الخروج منه.

كما أنها رسالة إلى العالم أجمع، تقول له إن أمة قدمت للحضارة الإنسانية إنجازات علمية كالتي قدمتها أمتنا، لهي قادرة على النهوض من جديد، ومستعدة للعطاء والإسهام مرة أخرى في الحضارة الإنسانية، شريطة أن يتوفر لها قادة مخلصون، يعرفون كيف يوجهون موارد بلدانهم وإمكاناتها، وأن تتوفر لها شعوب واعية تدرك حجم المؤامرات التي تحاك ضدها، وتعمل على تقويضها.

في أواخر مايو الماضي هذا العام، عندما أصدر المعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا كتابه السنوي للتنافسية العالمية، الذي يُعَدُّ أحد أهم التقارير العالمية التي تقيس مستوى تنافسية الدول، واحتلت دولة الإمارات المركز الأول عالمياً في مؤشر كفاءة الأداء الحكومي، وحققت المركز الأول في حسن إدارة الأموال العامة، وأحد المراكز الخمسة الأولى ضمن 35 مؤشراً فرعياً، لم يُدِرْ هذا الإنجاز رؤوسَ قادة الإمارات ويحرك غرورهم، فقال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن »التقارير العالمية لا تبهرنا كثيراً، ولا تصرف نظرنا عن أهدافنا الحقيقية، ولا تدفعنا للتفاخر وترك العمل، بل هي مؤشرات نستفيد منها لتعطينا موقعنا الحقيقي في سباق التنافس بين الأمم لتحقيق الأفضل لشعوبنا، وأكبر درس نتعلمه وقت تحقيق الإنجازات هو المزيد من التواضع، والمزيد من الإصرار على تحقيق إنجازات أكبر«.

حلم منصور وجيله من أبناء وبنات الوطن لم يذهب هباء، حلم منصور وجيله أصبح حقيقة متمثلة في وكالة فضاء إماراتية، وفي مسبار عربي إسلامي سوف يصل إلى المريخ، عندما تحتفل دولتنا الحبيبة بيوبيلها الذهبي بعد سبع سنوات من الآن، بإذن الله تعالى، وهي مناسبة تستحق أن نطلق من أجلها مشاريع عظيمة كهذه، لأن قادة استثنائيين مثل قادة دولة الإمارات، لا يمكن أن تصدر عنهم إلا مشاريع استثنائية مثل هذه المشاريع، ينفذها شعب استثنائي مثل شعب الإمارات.

Email