العلاقات السعودية الأميركية وبناء الثقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم من أن العلاقات السعودية الأميركية قد مرت في الآونة الأخيرة ببعض التوتر، إلا أن الواضح أن عمق المصالح المشتركة بين البلدين يفرض عليهما معاً التوافق حول حلول للمسائل الخلافية بينهما.

فالعلاقات الأميركية السعودية علاقات تحالف استراتيجي عمرها سبعة عقود، ظلت في جوهرها قائمة على ضمان أمن هذه المنطقة الحيوية من العالم، وحماية تدفق النفط الذي هو عماد الصناعة والتقدم في العالم الغربي.

وقد توثقت العلاقات بين الطرفين عبر بناء الثقة، على مدى سنوات طويلة من العمل المشترك بين أجيال من الأميركيين والسعوديين، في المؤسسات المختلفة لصنع القرار. لكن السنوات القليلة الماضية شهدت تباينات شتى في الرؤى بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، حول عدد من القضايا الجوهرية، أدت مع تراكمها إلى درجة من درجات الشعور بانكسار في جدار الثقة الذي ظل متينا على مدار عقود طويلة.

فعلى الجانب السعودي، صارت هناك شكوك في مدى التزام الحليف الأميركي بمسؤولياته تجاه حلفائه. فالقضية الأكثر أهمية على الإطلاق بالنسبة إلى السعودية، ظلت المسألة الإيرانية. وعندما انطلقت الولايات المتحدة تسعى للتفاوض مع طهران بشأن ملفها النووي، كان للقلق السعودى مصدران؛ أولهما متعلق بمدى فاعلية الاتفاق الذي قد تقبله أميركا في النهاية، وثانيهما ارتبط بما إذا كانت الرغبة الأميركية في التوصل لاتفاق مع إيران، ستجعل الولايات المتحدة تتجاهل ما تعتبره الرياض ودول خليجية أخرى مسببات معتبرة لعدم الاستقرار في المنطقة بسبب إيران، الأمر الذي يعني في الواقع تخلي أميركا عن حلفائها في الخليج.

ليس هذا فقط، وإنما وجدت السعودية أن الدور الذي تلعبه إيران في سوريا، يقابله تراجع أميركي عن التدخل العسكري. فبعد أن كان أوباما قد لوح بأن الأسد قد تخطى "الخط الأحمر" عندما تم استخدام السلاح الكيميائي في سوريا، تراجعت الولايات المتحدة عن التدخل العسكري هناك. ولا يخفى أيضاً أن هناك خلافاً..

وإن كان أقل درجة بكثير، بين الرؤية السعودية والرؤية الأميركية للأوضاع في مصر وفي قضية الصراع العربي الإسرائيلي. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن هناك تياراً مهماً داخل الولايات المتحدة، يدعو إلى سياسات أميركية جديدة في مجال الطاقة. وهو تيار واسع بعضه يسعى للحفاظ على البيئة، فيسعى للبحث عن مصادر بديلة للنفط، بينما يسعى بعضه الآخر صراحة إلى إنتاج النفط من أجل التخلص من الاعتماد تحديداً على العرب والمسلمين.

والحقيقة أن هناك بالفعل خلافاً بين البلدين حول أغلب هذه القضايا، وهو في تقديري خلاف ناتج عن مجموعة من الأسباب، على رأسها أن الولايات المتحدة في عهد أوباما بدأت فعلاً تسعى لإعادة النظر في دورها الدولي عموماً، وتسعى بالفعل لتقليص وجودها في المنطقة بقدر الإمكان، من أجل تكثيف ذلك الوجود في آسيا، باعتبار الأخيرة هي قارة المستقبل. والتوجه نحو آسيا بدأ منذ فترة قبل تولي أوباما، وظل يحدث تراكماً في دوائر صنع القرار حتى تجلى في عهد أوباما.

لكن هناك سبباً آخر لا يقل أهمية للخلاف السعودي الأميركي، خصوصاً في ما يتعلق بالتدخل الأميركي في كل من إيران وسوريا. فبعد حربين خاضتهما الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، لم يعد الشعب الأميركي يتحمل حروباً جديدة، خصوصاً في ظل ظروف اقتصادية صعبة. وقد عبر أوباما عن هذا المعنى بنفسه، بل دافع عن عدم تدخل بلاده العسكري في سوريا.

ففي مقابلة مع شبكة سي إن إن أجريت معه في روما قبل توجهه إلى السعودية، قال إن الولايات المتحدة "لها سقف" في ما يمكن أن تقوم به، وتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري ما كان ليفيد ما لم يتورط الجيش الأميركي "في تدخل عسكري طويل الأمد في هذا البلد"، وهو ما لا تتحمله الولايات المتحدة.

لكن بعض التقارير الصحافية التي برزت عشية زيارة أوباما للسعودية، راحت تؤكد على أن الإدارة الأميركية بعد أن كانت ممتنعة عن تقديم الدعم العسكري "السري" للمعارضة السورية، فإنها قد اتخذت قراراً بالعودة لذلك الدعم "السري" من جديد.

وكان الكاتب الصحافي ديفيد إغنيسيوس قد كتب مقالاً في "واشنطن بوست" عشية زيارة أوباما للسعودية، أكد فيه على توسع بلاده في تقديم الدعم "سراً" للمعارضة السورية، في صورة سلاح وتدريب تقوم به المخابرات المركزية الأميركية، وربما القوات الخاصة أيضاً.

وقد أتت زيارة أوباما للمملكة العربية السعودية في ظل هذه الأجواء، فبشأن الخلاف بخصوص سوريا، أعلن بن رودس نائب مستشارة الأمن القومي، أن "تقدماً قد حدث بين واشنطن والرياض في التنسيق بشأن من الذي سيحصل على المساعدات، وطبيعة تلك المساعدات التي سنقدمها".

ولكنه أضاف أنه "لا يزال هناك قلق بشأن تقديم بعض أنواع من الأسلحة"، ولا يزال هناك تحاور بشأنها. والحقيقة أنه رغم وجود الخلافات بين البلدين واحتمال استمرارها لفترة قادمة، إلا أن الأرجح أن يصمد التحالف الاستراتيجي بينهما. فكل من الدولتين ليس لديها بديل عن تحالفها مع الأخرى، يمكنه أن يقوم بذات الدور الذي تلعبه الأخرى في إطار التوازنات الراهنة التي تنشدها. وهو ما يعني أن التحالف يستحق أن تعاد من أجله عملية بناء الثقة، خصوصاً أن الطرف الأميركي حريص عليها.

 

Email