المعارضة السورية.. نجاحات وإخفاقات

ت + ت - الحجم الطبيعي

مع دخول الثورة في سوريا عامها الثالث، وفشل محاولات المبعوث الأممي والعربي الأخضر الإبراهيمي في الترويج لحل سياسي للصراع القائم فيها، وبعد أن أحبط النظام السوري مبادرة رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، لفتح حوار مع بعض من في النظام من وجوه مقبولة لدى المعارضة.

وبعد وصول معاناة الشعب السوري إلى حدود ليس بإمكان المجتمع الدولي الاستمرار في تجاهلها، وبعد تعاظم المخاوف الدولية من تداعيات ما يجري في سوريا على الوضع الهش في كل من لبنان والعراق، طرأت تحولات كبيرة ومهمة، من شأنها أن تسرع في حسم الصراع الدائر في سوريا، الذي عجز طرفاه عن حسمه طيلة السنتين الماضيتين.

التحولات تتلخص في محورين، أولهما نجاح الجيش الحر في تحقيق انتصارات تقربه من النصر، وثانيهما، وهو الأكثر أهمية، التغير الذي حصل في الموقف الغربي حيال النزاع الدائر في سوريا.

على الجانب السياسي، حصل تطور مهم هو الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية، حيث عقد في القاهرة، في 23 مارس الجاري وعلى مدى يومين، مؤتمر للمعارضة ضم خمسين شخصية من الطائفة العلوية، أعلنوا تضامنهم مع المعارضة لإسقاط النظام، ودعوة أبناء طائفتهم لمساندة ذلك.

وهم بذلك يبعثون بأكثر من رسالة، المشترك بينها هو رفض الخلط بين الطائفة العلوية والرئيس السوري. أولى هذه الرسائل موجهة للنظام، الذي دأب على اختطاف الطائفة وعلى الافتراض في حساباته أنها تقف في صفه. والثانية للشعب السوري، ومفادها أن طموحات الطائفة هي جزء من طموحات الشعب السوري، الراغب في التخلص من النظام الشمولي الدكتاتوري.

وهي بذلك تنأى بنفسها عن الارتباط بنظام الرئيس الأسد، ولا يتحمل أبناؤها تبعات ممارساته. والثالثة للمجتمع الدولي بغية إنارة جانب طالما تعرض للالتباس، حول تفهم هذا المجتمع لطبيعة الصراع الجاري في سوريا.

من جانب آخر، قرر وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم التحضيري للقمة العربية في دورتها العادية الرابعة والعشرين، منح المقعد السوري في الجامعة العربية للمعارضة السورية ممثلة بائتلاف قوى الثورة والمعارضة وبالحكومة المؤقتة التي شكلها الائتلاف.

لكن هذا النجاح السياسي للمعارضة لم يستطع أن يغطي على الانتكاسة في جانب مهم آخر، فما خلص إليه مؤتمر إسطنبول لم يكن مقبولا لدى العديد من الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية السورية، إذ لم يحظ انتخاب غسان هيتو كرئيس للحكومة الانتقالية، بدعم من الائتلاف الوطني الذي اعترض بعض أطرافه على الطريقة التي تم بها انتخابه.

ولم يحظ كذلك بدعم بعض فصائل الجيش الحر. وزادت من قتامة المشهد السياسي، استقالة معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري، في الرابع والعشرين من مارس الجاري، على قاعدة رفضه للإملاءات ومحاولات احتواء المعارضة السورية من قبل بعض الأطراف العربية، إلا أنه حضر مؤتمر القمة لاحقاً.

على المستوى الدولي، هناك تغير في موقف بعض الدول الغربية، حيث قررت هذه الدول التخلي عن حيادها وأصبحت أكثر قربا من خيار التدخل لحسم الصراع في غير صالح النظام القائم.

فقد قررت كل من بريطانيا وفرنسا تسليح المعارضة السورية، على الرغم من أن ذلك يعتبر خروجا على قرارات الاتحاد الأوروبي، المنقسم على نفسه في هذا الشأن، الخاصة بحظر تصدير السلاح إلى أي طرف من أطراف الصراع في سوريا، كما يعتبر خروجا في الوقت نفسه عن السياسة التي سبق لحلف الناتو أن أعلن عن تمسكه بها، وهي أن تحركاته لن تكون من غير غطاء دولي، معتبرا ما ذهبت إليه كل من بريطانيا وفرنسا هو مواقف فردية.

والحقيقة أن موقف هاتين الدولتين لا يثير العجب، فلديهما على خلاف بقية دول أوروبا، صلات ثقافية وعلاقات تاريخية بالمنطقة منذ مطلع القرن المنصرم، حين أسهمتا في وضع خرائطها الجغرافية بُعيد انهيار الإمبراطورية العثمانية. ولديهما ما يؤهلهما للعب دور فاعل في مستقبلها، مع تراجع الدور الأميركي بمجيء الرئيس أوباما ورغبته في التفرغ أكثر ممن سبقوه لمعالجة الداخل الأميركي ومعضلاته.

ويأتي الموقف البريطاني الفرنسي بمثابة احتجاج على استبعاد أوروبا من المشاركة في تقرير مستقبل الصراع داخل سوريا، وحصر مفاتيح حلوله بين الولايات المتحدة وروسيا. وهو موقف يضعف من دور الأمم المتحدة ومؤسساتها الشرعية، ويعيد إلى الأذهان العديد من المواقف التي أسهمت في إضعاف دور هذه المنظمة الدولية، من قبل كبار مؤسسيها وهم الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي.

وفي ضوء هذا التطور المهم، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي على لسان وزير خارجيتها، أن الولايات المتحدة لا تعترض على قيام بعض الدول الأوروبية بتسليح المعارضة السورية.

الولايات المتحدة رغم أنها لا ترغب في تسليح المعارضة السورية، إلا أنها من جانب آخر ترغب في نهاية سريعة لنظام الرئيس الأسد، وذلك لأنها ترى أن إطالة أمد الصراع تقدم فرصة للجماعات الإسلامية المتشددة التي تسهم في الصراع، لأن تصبح قوى لها دورها في تقرير مستقبل سوريا، وهو ما لا ترغب الولايات المتحدة والغرب حصوله.

من هذا المنطلق نرى أنها تقدم مساعدات عسكرية لا تقل أهمية عن التسليح، وهي القيام بتدريب فصائل مختارة من الجيش الحر في إحدى الدول المجاورة لسوريا، وتقوم كذلك بتزويد بعض فصائل هذا الجيش بمعلومات استخبارية دقيقة، عن وضع القوات المسلحة السورية على الأرض واتجاهات تحركاتها، لتتيح له فرصة التهيؤ لمواجهتها في الوقت المناسب بما يؤهله للتغلب عليها أو إفشال مهمتها.

ثمة أمر على جانب كبير من الأهمية لا بد من الإشارة إليه في ختام هذه المقالة، وهو أن النجاحات العسكرية التي يحرزها الجيش الحر مهما بلغ حجمها وأهميتها، لن تجلب الاستقرار لسوريا ما بعد الأسد، طالما كانت الأطر السياسية للمعارضة مهلهلة وعرضة للتمزق بسهولة.

 

Email