الانتخابات الجزائرية على المحك

ت + ت - الحجم الطبيعي

وجّه عباسي مدني زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية المقيم في قطر منذ سنوات، ونائبه الشيخ علي بن حاج المقيم في الجزائر، نداء مشتركاً الأسبوع الماضي إلى الشعب الجزائري «من أجل التغيير الجذري من خلال مقاطعة الانتخابات» المقررة في 10 مايو المقبل.

 وهذا النداء يضاف إلى دعوات أخرى أطلقتها قوى علمانية يطلق عليها في الجزائر مسمى استئصالية، تطلب هي الأخرى مقاطعة الانتخابات، بما يعنى أن الانتخابات نفسها أصبحت على المحك، لأنها أصبحت موضع صراع بين النظام والقوى المؤيدة له وهو يدعوا الناخبين إلى التصويت بكثافة ومعارضة ترى أنها جذرية تدعو إلى المقاطعة من اجل نزع شرعية هذا النظام. فضلا عن أنها موضع صراع آخر داخل القوى الإسلامية، فمن جهة فان التصويت المنخفض في الانتخابات المقبلة يعنى أن مركز الثقل داخل هذه القوى مازال هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ، أما التصويت المرتفع فيعنى أن هذا الثقل تحول إلى قوى أخرى قد تكون الأحزاب الإسلامية الجديدة، أو تلك التقليدية وعلى رأسها حركة مجتمع السلم (حمس) التي تعتبر النسخة الجزائرية من جماعة الإخوان المسلمين، وكانت حتى شهر ديسمبر الماضي مشاركة في الائتلاف الحكومي الحالي.

والحاصل أن الانتخابات الجزائرية المقبلة ستكون حاسمة فيما يتعلق بشرعية النظام الحالي، ذلك أن الجزائر لم تفلت تماما من الربيع الديمقراطي العربي، حيث برزت فيها في الربع الأول من العام الماضي حركات مطالبة بالتغيير الجذري، ولكن النظام لما له من حنكة وبما يتوفر له من أدوات استطاع امتصاص هذه الحركات، ومنحها بعض الإصلاحات، مثل رفع حالة الطوارئ، وإقرار قانون جديد للإعلام، وآخر للأحزاب السياسية، وأصبحت الانتخابات المقبلة هي التي ستحدد ما إذا كانت استجابة النظام حقيقية أم شكلية، وهذا يتوقف على أمرين الأول مدى التدخل الإداري في العملية الانتخابية، لان للدولة الجزائرية تراثا مهما في هذا المجال.

أما الأمر الثاني فهو مدى تعبير هذه الانتخابات عن الخريطة السياسية الحقيقية في الجزائر، مع العلم أن هناك من يشككون في هذا الأمر من قبل إجراء الانتخابات باعتبار أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تعتبر القوة الإسلامية الرئيسية، من وجهة نظرهم، لا تشارك في هذا الاستحقاق السياسي بل وتطالب بمقاطعته، وهذه المعطيات تصب في النهاية لتطرح سؤالا رئيسيا هو هل سيتحقق الاستقرار والشرعية في الجزائر بعد إجراء هذه الانتخابات أم أن الصراع السياسي فيها سيدخل طورا جديدا في أعقابها ؟.

وهناك من يرى أن التعبير عن الخريطة السياسية الجزائرية الحقيقية هو أن تتراجع الأحزاب الوطنية الحالية أي جبهة التحرير الوطنية والتجمع الوطني الديمقراطي لصالح الأحزاب الإسلامية بالنظر إلى أن الانتخابات التي أجريت في دول الربيع العربي الأخرى أي مصر وتونس أسفرت عن هذه النتائج يضاف إليهما المغرب التي عدلت من دستورها للتواؤم مع أو لامتصاص الربيع الديمقراطي، وجاء فيها الإسلاميون أيضاً في المقدمة، لكن الجزائر لها وضع مختلف تماما يمكن أن يغير هذه المعطيات، فمن جهة فان تجربتها الأليمة في سنوات التسعينات من القرن الماضي ونصف العقد الأول من الألفية الجديدة، وكان الإسلاميون سببا رئيسيا فيها حذفت من رصيد الإسلاميين لدى الناخبين.

ومن جهة ثانية فان ما قامت به الدولة من إجراءات لعزل الإسلاميين جماهيريا وتجفيف منابعهم، والسياسة الاجتماعية الاقتصادية التي مورست من اجل تحقيق ذلك، يمكن أن يجعل الإسلاميون، وليس الجبهة الإسلامية للإنقاذ، طرفاً في المعادلة ولكنه ليس الطرف الرئيسي فيها. وبالتالي فان المحك حول نجاح الانتخابات من عدمه لن يكون مقصورا فقط على موقع الإسلاميين في النتائج النهائية بقدر ما سيكون هو نسبة المشاركة في الانتخابات أولا، ثم مدى رضاء الناخب عن النتائج لان هذا هو الذي سيعطى لها الشرعية المطلوبة.

وهناك بعض المحللين للازمة الجزائرية الذين يرون أن الجزائر مازالت حتى الآن تمر بفترة انتقالية بين الأزمة ونهايتها، وان هذه المرحلة الانتقالية بدأت مع انتخاب الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة، أي منذ عام 1999 وحتى الآن.

وإذا وافقنا على هذا الطرح يمكن القول أن الانتخابات المقبلة في الجزائر يمكن أن تمثل نقطة النهاية لهذه الفترة الانتقالية، وتبدأ الجزائر بموجبها مرحلة الاستقرار الحقيقي، وذلك مرهون بان تكون النتائج معبرة بالفعل عن الخريطة السياسية الحقيقية، وان تجرى في غياب تام للتدخل الإداري، وان تعمل مؤسسة الرئاسة باعتبارها حكم بين القوى السياسية المختلفة وليس باعتبارها جزءا من التيار الوطني المسيطر على العملية السياسية منذ الاستقلال وحتى الآن.

فما نقصده من أن الانتخابات الجزائرية على المحك لا نعني به فقط إمكانيات نجاحها من عدمه، وإنما ما تساهم به في إنهاء أزمة استمرت ما يقرب من عقد ونصف، وهناك مؤشرات متعددة تقول أن هناك إمكانيات لان تعود حالة عدم الاستقرار مرة أخرى إلى بلد المليون شهيد ما لم تسع الدولة إلى التحول الحقيقي نحو الديمقراطية عبر إجراءات واضحة، ويمكن أن تكون الانتخابات المقبلة هي الفرصة السانحة لتحقيق هذا الأمر، خاصة وان السلطة تقول بأنها تجري بالفعل إصلاحات سياسية وأنها تستجيب لمطالب الشارع، وهذه الانتخابات هي المحك الحقيقي لكي نعرف هل تصدق السلطة أم أنها تناور على مطالب الإصلاح.

Email