أي خريطة سياسية للمغرب؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

باحتلال حزب العدالة والتنمية المركز الأول في الانتخابات التشريعية المغربية، تكون الخريطة السياسية المغربية قد تغيرت. ولكن حصول الحزب على نسبة تفوق بقليل ربع مقاعد البرلمان الجديد، يعني أن الخريطة السياسية الجديدة لن تتضح إلا بعد أن تعمل التحالفات السياسية المنبثقة عنها، فهناك أحزاب من الموالاة الحالية قد تختار لعب دور المعارضة في الفترة المقبلة، وهناك أحزاب أخرى قد تختار أن تظل في موقعها في الحكم.

فمهمة تشكيل الحكومة المغربية، في ظل توازن القوى الذي أفرزته الانتخابات التشريعية الأخيرة داخل البرلمان، صعبة للغاية، خاصة وأن كوادر الأحزاب التي دخلت البرلمان، تضغط على قياداتها من أجل اتخاذ قرارات قد تكون صعبة، مثل عدم المشاركة في الحكومة المقبلة وعدم التحالف مع «العدالة والتنمية»، إلا وفقا لشروط من الصعب عليه أن يقبلها.

والتغيير الأساسي الذي شهدته الخريطة السياسية المغربية، هو بروز بديل ثالث بين الكتلة الديمقراطية التي تمثل يسار الوسط، وأحزاب الوفاق التي كانت تمثل اليمين. وهذا البديل الثالث هو حزبا التيارات الإسلامية، وهما «العدالة والتنمية»، إضافة إلى حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي كان قد هيمن على المجالس البلدية في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2009.

وهذان الحزبان استطاعا توسيع دورهما في العملية السياسية، وخاصة بعدما جاء العدالة والتنمية في المركز الأول من حيث عدد المقاعد في البرلمان المغربي. وسيصبح الصراع في المستقبل قائما على قاعدة سعي الحزب لأن يصبح هو الحزب الرئيسي في البلاد، وسعي الأحزاب الأخرى لأن تبقى على التوازن الهش الراهن بين التيارات الثلاثة الرئيسية.

وهناك سيناريوهان متوقعان لهذا الصراع؛ الأول أن تدخل الأحزاب المعبرة عن التيارين الآخرين إلى الحكومة وتفرض برنامجها على العدالة والتنمية، أو على الأقل لا تمكنه من تنفيذ برنامجه كاملا، فضلا عن أنها تختار الحقائب الحكومية الرئيسية، ويصبح الأمر وكأن العدالة والتنمية لم يحقق النتائج التي حققها في هذه الانتخابات. ودون ذلك فإن الحزب سيجد صعوبة في تشكيل حكومة تحظى بثقة البرلمان.

أما السيناريو الثاني فهو أن تختار الأحزاب الأخرى مواقع المعارضة في الصراع مع العدالة والتنمية لإبقاء التوازن الهش الحالي، ويمكن أن تعطي لحكومته ثقة البرلمان، لكنها تشدد حصارها عليه وتشدد أيضا من معارضتها لسياساته، وفي هذه الحالة سيكون الحزب في وضع شبه معزول وحكومته في وضع ضعيف، لأنها ستواجه معارضة من داخل البرلمان، وأخرى من خارجه ممثلة في شباب 20 فبراير الذين رفضوا الاستحقاقات السياسية الحالية.

وفي حال عدم تحقيق الحكومة لأي نتائج إيجابية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فإن الحركة سوف تزداد زخما وشعبية، وهو ما يمكن أن يؤثر جذريا على النظام السياسي المغربي برمته. وقد دارت نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة حول 45%، بما يعني أن التجربة السياسية لم تعد، كما كان الحال في السابق، تحظى برضى المواطن المغربي.

لقد جاءت نتائج الانتخابات، وكانت متوقعة، لتؤكد أن الناخب المغربي غير راض عن الخريطة السياسية الراسخة منذ الاستقلال، واختيار العدالة والتنمية يعني أنه يسعى لإحداث تغيير ما في هذه الخريطة التقليدية، وعدم نجاح هذا الحزب أو هذه التجربة سيعطي زخما وقوة وشرعية للقوى التي تنادي بتغيير النظام برمته، والمطالبة بملكية دستورية، وهو ما يعني إنهاء واحدة من أبرز سمات التجربة السياسية المغربية، وهي هيمنة المؤسسة الملكية على العملية السياسية.

ولا يمكن فهم التحولات التي تشهدها التجربة السياسية المغربية، وهي تجربة رائدة في الإصلاح السياسي التدريجي، إلا من خلال محاولة بعض أنصار المؤسسة الملكية إبقاء هيمنتها على العملية السياسية، خاصة في ظل المطالب الشعبية بالتحول إلى ملكية دستورية، كما أنها تعد محاولة لإنعاش النظام السياسي الذي بدأ يواجه الركود مرة أخرى، في ظل حكومات التناوب المتعددة.

والتجديد الذي تم هذه المرة للنظام السياسي المغربي، يتمثل في مجيء قوة سياسية جديدة تماما، من خارج القوى المهيمنة السابقة، لتحتل موقع الصدارة في العملية السياسية، الأمر الذي يجدد شرعية النظام ويفتح أفقا جديدا قد يساعد على إنهاء حالة الركود التي كان أبرز ملامحها، أن الانتخابات السابقة لم يشارك فيها، في المتوسط، سوى 29% فقط من الناخبين.

وهناك من يرى أن إجراء الانتخابات المبكرة في وقت تعاني فيه الأحزاب من الارتباك، كان ينذر بنتيجة واحدة هي التي تحققت، وهي تصدر القوى الإسلامية للمشهد السياسي. وهذا الخيار يمكن أن يعطي شرعية للنظام الذي يستطيع أن يجدد نفسه من داخله، وينعشه لعدة سنوات على الأقل فترة البرلمان الحالي.

ومن محصلة الصراع بين العدالة والتنمية وباقي فرقاء النظام، على الهيمنة وتوسيع الدور أو الإبقاء على التوازن الهش، ستنتج الخريطة السياسية الجديدة، التي لو لم تحقق الاستقرار المأمول فإن تغييرا جذريا للنظام قد يكون هو الخيار الوحيد أمام النخبة المغربية.

 

Email