كالماء للشيكولاته!

ت + ت - الحجم الطبيعي

«تيتا» هي البطلة المحورية لرواية «كالماء للشيكولاته» التي كتبتها المكسيكية الشهيرة لاورا اسكيبيل بحرفية وفن سردي عبقري ومغاير، ربما يقارب كتاب الكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي «افروديت» حول الأطعمة وتأثيراتها الحسية على الإنسان.

الجميل في رواية «كالماء للشيكولاته» هو السرد الذي يزاوج بين الحسي والعاطفي من خلال أحداث بتفاصيل لا حصر لها تمتد خلال زمن طويل وعبر أجيال من أفراد عائلة «دي لا جارثا» دون أن يتسلل للقارئ أدنى شعور بالملل أو بالرتابة.

الرواية مقسمة إلى اثني عشر فصلاً كفصول السنة، وفي بداية كل فصل يجد القارئ نفسه على موعد مع وصفة جديدة بمقاديرها وطريقة تحضيرها دون أن يخطر بباله أنه يقرأ كتاباً في إعداد الطعام، فهو منسجم على طول الخط في قراءة عمل روائي حقيقي ممتلئ بالعاطفة والحب المتوقد.

كما هو عابق بالطعوم والروائح وألوان الأطباق، وتأثيراتها السحرية على من يتناولها إلى درجة شعوره بالحنين أحياناً، أو الدخول في نوبة بكاء أو حزن، وقد يتوقد الشوق فيه بعد أن يتناول طبق السمان كما حدث لـ«بيدرو» فيعبر عن مشاعره بشكل مباغت.

حكاية البطلة «تيتا» شبيهة بحكايات السيدات المظلومات، سجينات التربية الجائرة، والتقاليد التي لا منطق لها، والقمع، إنها حكايات النساء اللواتي يُفرض عليهن دفع حياتهن ثمناً لنزوات وراحة الآخرين دون أن يفكرن في التمرد أو الاعتراض، هذه الحكايات التي أنتجت روايات الواقعية السحرية.

حيث معظم البطلات على شاكلة «تيتا» و«فيرمينا» بطلة «الحب في زمن الكوليرا» محكومات بقدر عدمي من صنع العادات والقسوة، فحينما فكرت «تيتا» في الزواج أصدرت الأم قرارها بحرمانها الأبدي من ذلك فقط لتبقى في خدمتها عندما تكبر، وعندما قالت لوالدتها (لكنني أرى) لم تدعها تكمل جملتها فعاجلتها في الحال (أنت لا رأي لك!).

لقد احتاجت «تيتا» للكثير من القوة والصبر وإنفاق السنوات في المطبخ وخدمة أفراد العائلة، احتاجت لتقمع حقها ومشاعرها وأنوثتها وصوتها، احتاجت لتكون صديقة الخادمة العجوز ولتستعيض بها عن أمها القاسية، كما احتاجت لتفجر مشاعر الأمومة مع طفل شقيقتها ولموت هذا الطفل بسبب أمها.

 احتاجت لقوة خارقة لتنفجر في وجه أمها، سجانها، جلادها ولتقول لها لا، لن أفعل كذا! لقد تمردت للمرة الأولى فخرجت نهائياً من المنزل، هكذا تحتاج الحرية لثمن باهظ دائماً!

Email